نكبة فلسطينية جديدة في “منطقة” النقب؟
د. أسعد عبد الرحمن
حسنا فعلت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في فلسطن 1948 حين دعت يوم الثلاثاء المنصرم 11/6 إلى توفير أكبر مشاركة جماهيرية لإنجاح الإضراب العام الذي سيعم منطقة النقب. ففي الوقت الذي يسلط فيه الاعلام العربي والفلسطيني الضوء على تهويد مدينة القدس ومدن الضفة الغربية المحتلة والأغوار ومنطقة الجليل في شمال فلسطين الواقعة ضمن ما يسمى “الخط الأخضر”، قلما يسلط الضوء على منطقة النقب على الرغم من حيوية هذه المنطقة وأهميتها ضمن المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي، والتي تبلغ مساحتها حوالي 13 مليون دونم, أي أكثر بقليل من نصف مساحة فلسطين التاريخية.
فور الإعلان عن نتائج انتخابات الكنيست التاسعة عشرة, وفشل حزبي “الليكود” و”إسرائيل بيتنا” في تحقيق الفوز بأغلبية مريحة تمكنهما من تشكيل حكومة وفقا لشروطهما, خشي رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أن تعوق التركيبة المرتقبة للحكومة إقرار أخطر مخطط ترانسفيري كولونيالي اقتلاعي يستهدف تهجير أهالي النقب، لذلك سارعت حكومته الانتقالية بإقرار توصيات الوزير (بيني بيجن) على مخطط “برافر الاستيطاني”, الذي صادقت عليه الحكومة في 11/9/2011، بحيث تصادر الحكومة الاسرائيلية حوالي 800 ألف دونم وتسجلها باسم دائرة أراضي إسرائيل, من خلال ترحيل العرب البدو من القرى غير المعترف بها والتي تبلغ 45 قرية, ويعيش فيها قرابة 100 ألف شخص, وجميعها تفتقد لمستلزمات الحياة الضرورية أصلا, وتعد أسوأ حالا من القرى السبع المعترف بها, حيث يعيش بها أيضا ما يقارب العدد السابق, وذلك من خلال تجميعهم على أقل من مئة ألف دونم في منطقة السياج الممتدة من رهط شمالا حتي ديمونا جنوبا، وذلك بهدف إقامة 11 تجمعا سكانيا يهوديا على أنقاض البلدات العربية.
لقد اعتبر النائب العربي السابق في “الكنيست” (البرلمان الإسرائيلي) ورئيس لجنة التوجيه العليا لفلسطينيي النقب (طلب الصانع) أن “مصادقة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع على مسودة قانون “برافر” وتقديمه للكنيست من قبل الحكومة الإسرائيلية للتصويت عليه، هو بداية التأكيد على نكبة جديدة لعرب النقب”. كما اعتبر “مخطط برافر” الأخطر الذي يواجه فلسطينيي 48 منذ احتلال أرضهم قبل خمسة وستين عاما، لأنه في حقيقته مخطط تهجير جديد وعملية ترحيل جديدة، ومصادرات جديدة لأراضي عرب النقب، وهذه الممارسات تشابه – بمأساويتها وكارثيتها – ما حل بفلسطينيي النقب (وغيره) عام 1948. فتنفيذ هذا المخطط يعني مصادرة 90% مما تبقى من أراضي بأيدي عرب النقب، أي حوالي 860 ألف دونم، وهذا يشمل كل الأراضي العربية في منطقة النقب الغربي، وفي منطقة النقب الجنوبي، وتهجير عشرات القرى العربية وهدم آلاف البيوت”. وختم (الصانع) بالقول: “الجديد في مخطط “برافر”، أنه يتم بقوة القانون، أي أننا نتحدث عن عملية تطهير عرقي بقوة القانون وترانسفير من قبل حكومة إسرائيلية عنصرية ضد مواطنين يحملون هويتها، وهذا انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق التي تعنى بحقوق الإنسان وخاصة حقه في التملك والسكن”، مطالبًا بتدخل مجلس حقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية في الاتحاد الأوروبي”.
مخطط “برافر” يسعى، كغيره من المخططات السابقة, إلى إحداث تغييرات جغرافية وديمغرافية لصالح خطط التهويد, بمنع التواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة, وذلك من خلال بناء مستعمرات/ “مستوطنات”، فضلا عن بناء مراكز عسكرية واستخباراتية. كما أن الدولة الصهيونية ترى أن بقاء عرب النقب على أراضيهم يساهم مع الأيام في التواصل الجغرافي مع غزة، ما يهدد الصبغة اليهودية التي تسعى لها الدولة الصهيونية. في ذات الإطار، تم مؤخرا إطلاق حملة إعلامية واسعة غايتها تشجيع العائلات اليهودية على الانتقال للسكن في النقب، الذي يمثل احتياطي الأرض الأخير المتبقي للفلسطينيين داخل اراضي الـ48، ضمن مشروع تهويده، بمعنى زيادة نسبة السكان اليهود فيه. وفي هذا السياق، يقول رئيس (المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب) حسين رفايعة: “إن وزارة الداخلية الإسرائيلية تقدر عدد البيوت المرشحة للهدم بحوالي 42 ألف بيت في الوسط العربي في النقب وحده، علماً بأن هذه البيوت تأوي حوالي 85 ألف نسمة من العرب”. من جانبها، ذكرت صحيفة “معاريف” على لسان البروفيسور الإسرائيلي (يرمياهو برنوير): “أنه من المتوقع أن يتم توطين حوالي (250) ألف مهاجر يهودي جديد في منطقة النقب، في الوقت الذي خطط فيه شارون، أيام حكومته، لتوطين مليون يهودي”.
منطقة النقب تتعرض بشكل مستمر ومبرمج إلى تغيرات جغرافية وديمغرافية وسلب وتهويد للأراضي بغية تهويدها بصورة لا تقل فداحة عما يجري من استيلاء وتغيير للحضارة العربية والإسلامية في القدس المحتلة. وإسرائيل التي لا تولي أهمية للانتقادات الدولية، تمضي قدماً في تنفيذ مخططها لتهجير عرب النقب، ومصادرة أراضيهم وتدمير نسيجهم الاجتماعي، مع حملات عنصرية ضدهم بهدف تزييف الوعي التاريخي، وفقا لصحيفة “هآرتس”، التي ذكرت، في مقال افتتاحي في 19/5/2013، “أن ما يجري إنما هو جزء من صراع عنيد تديره الحكومات الإسرائيلية على صياغة الوعي التاريخي، في محاولة لطي التاريخ الذي لا يريحها في النسيان، ونفي مسؤوليتها عن عمليات التطهير العرقي ونشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين”.
تطبيق مخطط “برافر” لمصادرة وتهجير عشرات الآلاف من أبناء القرى البدوية الفلسطينية في النقب، يضيف مأساة جديدة إلى مآسي الفلسطينيين داخل ما يسمى “الخط الأخضر” بحيث لا تكفي للرد عليه بيانات الشجب من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي واقع الحال، اليوم يقف فلسطينيو 48 وحدهم لمواجهة مشاريع “الأسرلة” القديمة، وهم يواجهون سياسة واجراءات عنصرية مستمرة تستهدف طمس وجودهم وهويتهم. وإن كنا نحن “بعيدين”، ولا يحق لنا إملاء ما على فلسطينيي 48 عمله، إلا أن المطلوب هو عمليات مساندة من كافة مدن فلسطين 48 للنقب، للوقوف بحزم في وجه هذا المخطط من خلال رفع سقف الاحتجاج ومؤازرة أهالي النقب في دفاعهم عن أرضهم. ذلك أن عملية تهجير عرب النقب باتت من أهم مشاريع التهويد وأخطرها التي وضعت ونفذت على نطاق واسع، حيث تعتبر هذه المنطقة – من وجهة النظر الإسرائيلية – موقعاً طبيعياً لتطوير الصناعة والسياحة والزراعة، ومن ثم استيعاب مئات الآلاف من الغزاة اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم.