الإعلام الإسرائيلي اليميني: أي فاشية؟
رغم حديث كثير من الساسة الإسرائيليين عن التحريض في الصحافة العربية والفلسطينية، ورغم المهنية العالية لبعض الصحف والقنوات والصحافيين الإسرائيليين، “يمتاز” الاعلام الاسرائيلي اليميني بدور هدام فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، معتمدا أسلوب التهويل والدعاية الرخيصة بعيدا عن رسالة الصحافة الحقيقية المتمثلة في نقل الحدث بشفافية. وقد أثبت هذا اللون من الصحافة الاسرائيلية دائما بأنه بوق إعلامي للحكومات الإسرائيلية والقوى المجتمعية الشاذة وسياساتها المتطرفة: تحرض على القتل، ومصادرة الأراضي، واتباع كافة أساليب ووسائل الاقصاء والعنصرية تجاه العرب باعتبار العربي لا يستحق الحياة.
مؤخرا، أظهر رصد علمي دقيق (تقوم به وكالة الانباء الرسمية الفلسطينية – “وفا”) لما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية من تحريض وعنصرية ضد الفلسطينيين والعرب، أن اعلام الاحتلال لا يتردد في استخدام المصطلحات النابية والأساليب الشاذة ضد العرب والمسلمين، وبث معلومات مضللة عن طبيعة الصراع العربي مع الصهيونية. فمثلا، نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم” مقالة كتبها (نداف شرغاي) حرّض من خلالها على استخدام النار الحيّة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية، وأضاف: “تقييد أيادي الجنود (الإسرائيليين) بتعليمات مقيدة، والمراعاة الزائدة لانعكاس المشاهد (غير الإنسانية) في وسائل الاعلام، ستشجع فقط المتطرفين والعنيفين في المجتمع الفلسطيني. “ضبط النفس”، و”كبح الجماح”، و”الامتصاص”، و”الاحتواء” للعنف، أو “للمواجهة بقوة منخفضة” – ليست سياسة. فقد أدت سياسة الاحتواء في الماضي إلى عنف اشتد أكثر فأكثر إلى أن تطور إلى ارهاب حقيقي”!! كما أطلق (دافي ديختر) رئيس الشاباك السابق، في إذاعة “جالي تساهل”، دعوة لقتل الفلسطينيين الذين صنّفهم كـ”مخربين”، وقال: “كي يتم اعتقال مخرب منفذ عملية إرهابية كل شيء شرعي، وبالطبع يجب قتله إذا لم يكن ممكنا اعتقاله. ممنوع بأي شكل نسيان أن وظيفتنا كأجهزة وكجهات أمنية هو دحر الإرهاب”. كما وصل التدهور الأخلاقي الإسرائيلي إلى المواقع الالكترونية، حيث نشر موقع “إن آر جي” مقالة كتبها (ارئيل كاهانا) انتقد من خلالها السلطة الفلسطينية، وقال: “انتفاض أقلية من الشباب العرب العنيف في الضفة بدعم من قيادة السلطة الفلسطينية، يعيد نمطًا تاريخيًا معروفًا ومخيبًا للآمال. منذ بداية الصهيونية، وبوتيرة مرة واحدة كل عقد، تختار مجموعة من بين عرب اسرائيل استخدام السلاح والعنف ضد كل من لا تريده هنا. مرة بعد مرة، اخطأت القيادة الفلسطينية بوهمها أنه يمكنها الحصول بالقوة على ما لم يتحقق على طاولة المفاوضات. كما هو الحال الان، ينبغي ان يكون الجواب واحدا ووحيدا: رد عكسري من دون تنازلات في المفاوضات. ارض اسرائيل بما في ذلك شرق الاردن هي ملك للشعب اليهودي”. أما (رون بريمان)، الرئيس السابق لدائرة “أساتذة جامعات من أجل الحصانة الأمنية والاقتصادية”، انتقد عبر صحيفة “إسرائيل اليوم” استضافة قياديين فلسطينيين في وسائل الاعلام الاسرائيلية، مقارنًا بينهم وبين النازيين. وقال: “ان حقيقة انه لا يمر يوم في اسبوع دون لقاءات صحفية مع ممثلي العدو في القنوات المختلفة من الاعلام الاسرائيلي بما فيها الرسمية، مُحيرة!! فهل يخطر بالبال ان تستضيف قاعات اذاعة الـ “بي.بي.سي” وتُجري لقاءات صحفية مع عناصر من حكومة المانيا النازية تُمكّنهم من التوجه الى مواطني بريطانيا من فوق رأس الحكومة في لندن وتهددهم بانتفاضة”؟! من جانبه، نشر موقع “حدريه حرديم” الديني مقالة تحريضية كتبها الحاخام (مناحيم برود) حيث قال: “الإعلام الإسرائيلي يستخدم هو أيضا الكلمة المُلّطفة “أسرى”، بدلا من مناداة هؤلاء السفلة بأسمائهم- مخربين، قتلة، سافكي دماء النساء والأطفال. لا يُسأل ممثلو السلطة الفلسطينية كيف يمكن أن يحوّلوا هؤلاء المجرمين إلى أبطال، بعد أن وقعوا معنا على اتفاقية سلام، أتفق في إطارها على وقف عمليات الإرهاب”.
لقد أظهرت إحصائية أعلن عنها مركز أحرار لدراسات الأسرى، مؤخراً، أن 95 طفلاً فلسطينياً تم اعتقالهم خلال شباط/ فبراير الماضي فقط، فيما أظهر التقرير الأخير لليونيسيف أن نحو 700 طفل تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما يعتقلون سنويا في الضفة بدعوى رشق الحجارة. وقد أفاد بحث متخصص في شؤون الأسرى إن “إسرائيل تحتجز ما يزيد عن 300 طفل بينهم أكثر من 100 طفل لم يبلغوا سن الرابعة عشرة”. ورغم أن القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وضعت الضمانات لحماية الأطفال، وضيقت حالات جواز اعتقالهم، إلا أن الحكومات الإسرائيلية لا تأبه بهذه الاتفاقيات، يساعدها في ذلك وسائل الإعلام الإسرائيلية اليمينية، التي تركز على زرع روح العسكريتارية في نفوس أطفال إسرائيل وتعمل كل عام، خلال احتفالات إسرائيل بما يسمى يوم استقلالها، على جذب الأطفال لزيارة القواعد العسكرية مجانا وتسمح لهم بالتقاط الصور على ظهر الدبابات وداخل قمرة طائرات “اف 16” وتطلعهم على آخر ما أنتجته آلة الحرب دون اعتبار لطفولتهم، فيما هي تآزر اعتقال الأطفال الفلسطينيين، المتهمين بإلقاء الحجارة على قواتها في مناطق التماس بالضفة الغربية.
وعلى صعيد أشمل، نشر مركز “إعلام” نتائج بحث شامل شمل عينة من وسائل الإعلام المركزية في إسرائيل: “يديعوت أحرونوت”، “معاريف”، “هآرتس”، “إسرائيل اليوم”، “القناة الأولى”، “القناة الثانية”، “القناة العاشرة”. وإذ تناول البحث درجة تعامُل الإعلام الإسرائيلي مع الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية لمجمل مكونات المجتمع الإسرائيلي، تكشف البحث عن أن غالبية التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان (71.1%) تطرقت إلى حقوق الجمهور اليهودي، فيما تطرقت نسبة 9.9% من التقارير إلى حقوق فلسطينيي 48، وتناولت نسبة 9.4% من مجمل التقارير أخبارا تعلقت بحقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وحظيت حقوق الفلسطينيين في القدس الشرقية بتغطية لا تزيد عن 1.3% من مجمل التقارير!!! وقد خلص البحث إلى أن انتهاكات الجيش الإسرائيلي والمستعمرين/ “المستوطنين” لحقوق الإنسان لا تحظى باهتمام كبير في الإعلام الإسرائيلي. وفي الحالات التي ظهر فيها تناول لحدث كهذا، “لم تُظهر التقارير تأييدًا دائمًا للجهة التي انتُهكت حقوقها، ولا يجري النظر إلى حقوق هؤلاء كقيمة قائمة بذاتها، أو كتلك التي يُفترض فيها أن تخضع لاعتبارات قيمية كونية. وباختصار، التغطية الإعلامية لانتهاك حقوق الفلسطينيّين تتأتى من خلال المنظور الأمني، لا من خلال منظور حقوق الإنسان”!!!