حقائق اختيار (أوباما) (هاغل) لوزارة الدفاع؟
نجح (تشاك هاغل) في تخطي جميع العقبات التي وضعت في طريق اختياره وزيرا لدفاع الولايات المتحدة، وذلك رغم انتقادات معظم الجمهوريين (وإسرائيليين عديدين) بشدة (لهاغل) الذي كان قد اتخذ موقفا معارضا لسياسة الرئيس السابق (جورج بوش) وحزبه خصوصا حيال إسرائيل وإيران والحرب في العراق عندما كان عضوا بمجلس الشيوخ. والإسرائيليون اعتبروا أن “تاريخ” (هاغل) بما يخص الدولة الصهيونية يثبت عدم ملاءمته لمصالحهم، خاصة في موقع وزير الدفاع باعتباره قد عارض في محطات مهمة الانبطاح أمام إسرائيل. وعندما اتهم بمعاداة إسرائيل أعلن قائلا “أنا سيناتور أميركي ولست سيناتوراً إسرائيلياً. أنا أؤيّد إسرائيل، إلا أن المصالح الرئيسية بالنسبة إليّ هي أميركا. عندما أؤدّي القسم، أؤدّيه للدستور، لا للرئيس ولا الحزب ولا إسرائيل”.
السؤال الآن، من هو (هاغل)؟ وما هي الحقائق الكامنة وراء اختياره؟ فبالنسبة للملف الإيراني، هو يتشارك و(أوباما) في وجهة النظر التي تشير إلى اتخاذ خيار الحوار مع النظام الإيراني كبديل عن القوة العسكرية، إلا أن آراءهما تختلف في موضوع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران حيث أن (هاغل) معارض لها. ومن أشهر أقوال هذا الأخير، المسجلة في كتاب تناول قصة حياته بعنوان (تشاك هاغل: المضي قدما) عبارته: “إذا ما تمكنت من الخروج سالما من حرب فيتنام، فسأبذل كل جهدي من أجل منع الحروب.”. “لست شخصا مسالما ولكنني أرفض الحرب. أنا شخص واقعي وأعلم أنه لا مجد في الحروب بل المعاناة فقط”.. “إقبال الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل عسكريا بالعراق يعتبر أكبر تخبط للسياسة الخارجية لأمريكا منذ حرب فيتنام.” أما فلسطينيا فتظهر مواقف (هاغل) عبر تصريحات عديدة، من نوع ما أعلنه خلال جولة له في الشرق الأوسط العام 1998: “الرجال اليائسون يفعلون أموراً يائسة حين يؤخذ الأمل بعيداً عنهم.. فأين هم الفلسطينيون اليوم”؟ وقد فسر هذا التصريح على أنه يبرر عمليات الفلسطينيين ضد إسرائيل! كما وقع (هاغل) في 2009 على بيان دعا الإدارة الأميركية إلى تشجيع تشكيل حكومة فلسطينية بين حركتي “فتح” و”حماس”، بل إنه وقّع – في حينه – على رسالة للرئيس (أوباما) حثّته على إجراء محادثات مباشرة مع “حماس”، فضلاً عن تأييده إقامة دولة فلسطينية. وقبل ذلك بسنوات، كان (هاغل) أحد ثلاثة، من أصل 100 سيناتور، رفضوا التوقيع على عريضة لتأييد إسرائيل خلال الحرب على لبنان في 2006 قامت بتوزيعها منظمة “إيباك”، معلنا “إن الواقع السياسي يظهر أن اللوبي اليهودي يقلق الكثير من الناس في أميركا.. أنا دائماً أعارض بعض المواقف الغبية التي لا علاقة لها بإسرائيل”. وكان هذا الموقف تكراراً لموقف سابق اتخذه (هاغل) في ذروة الانتفاضة الثانية عام 2002، حين رفض التوقيع على بيان تأييد لإسرائيل. وبوضوح شديد، تبرز أيضاً مواقف (هاغل) المعارضة للاستعمار/ الاستيطان في الضفة الغربية، إذ يرى أنه “لا يمكن أن نتوقع من الفلسطينيين إجراء إصلاحات ديموقراطية ما دام هناك جيش إسرائيلي محتل وما دام هناك بناء استيطاني”.
من جانبها، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تقريرا بعنوان “خمس خرافات عن تشاك هاغل”: قالت فيه: “هاغل شخص مهادن يتردد في استخدام القوة: هاغل شخص واقعي، لا محارب صليبي. وهو بالتأكيد ليس من دعاة السلام. وهو يفخر إلى حد كبير بالجيش الأميركي. وعلى الرغم من أنه صوت لصالح حرب العراق في عام 2002، فقد انقلب ضدها في وقت لاحق، وعارض زيادة القوات عام 2007. ومن الواضح أنه حذر بشأن التورط في مغامرات عسكرية خارجية يمكن أن تنتهي بامتلاك الولايات المتحدة لبلاد بعيدة تعجز عن السيطرة عليها، ناهيك عن إصلاحها. ولا يمثل هذا لينا، ولكنه يمثل ذكاء”. ورغم أن (هاغل) لن يكون مخططا للسياسة الأمريكية، ولن يتعدى دوره أن يكون جزءً من الطاقم الرئاسي الذي يعد السياسة ويبلورها، إلا أنه وكما قالت “الغارديان” البريطانية: “هاغل الذي يؤمن بانفتاح أمريكا على العالم، يعتقد أن عليها ألا تكون شرطي هذا العالم”. أو كما قال (يوري افنيري): “ذنبه الرئيسي يبدو اعتراضه على الحرب ضد إيران. أن تكون ضد الهجوم على إيران يعني أن تكون معاديا لإسرائيل ومعاديا للسامية”!!!
إن اختيار الرئيس (أوباما) لـ (هاغل) لشغل موقع وزير الدفاع، ليس بالضرورة موجهاً ضد إسرائيل، بل هو سياسة تصحيحية باشرها الرئيس (أوباما) مع توليه إدارته الثانية، قوامها ليس تحدي إسرائيل واللوبي الصهيوني، إذ هي تقع في صلب السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. فلقد أشار محللون أميركيون إلى أن “إدارة (أوباما) الثانية توجه رسالة مؤداها أن المناصب الحكومية الأولى لن تخضع، بعد اليوم، للأهواء الإسرائيلية واللوبي الصهيوني (أو لغيره من الحكومات واللوبيات) في الولايات المتحدة، وأن اختيار هاغل هو عنوان مرحلة جديدة من “استقلال” الإدارة الأميركية في الترشيحات المناسبة لخدمة المصالح الأميركية”. (فهاغل)، كما يرى هؤلاء، سيقود “سياسة دفاعية تلتزم بتخفيض ميزانية الدفاع بـ 500 مليار دولار خلال عشرة أعوام، وتحويل الجيش الأميركي من الحرب التقليدية إلى الحروب المرنة والسريعة”. ومن المعلوم أن (هاغل) يدعو “إلى تخفيض الترسانة النووية الأميركية بنسبة تفوق 80%”، الأمر الذي أعلن (أوباما) مؤخرا أنه مصمم عليه، ما سيوفر للخزينة مئة مليار دولار خلال عشر سنوات. ويخلص المحللون الأمريكيون إلى أن “الخوف من هاغل ليس مرده سياساته المعادية لإسرائيل، إذ إنه صرح خلاف ذلك مؤخراً، لكن سياساته المتعلقة بإعادة هيكلة الجيش الأميركي الداعية إلى عدم الإقدام على توسيع نطاق التدخل العسكري الأميركي ذلك أن من شأنها التأثير مباشرة على الطغمة الصناعية العسكرية في الولايات المتحدة، وهذا هو السبب الجوهري غير المعلن لعدم الترحيب بوصول هاغل إلى وزارة الدفاع”.
اليوم، اجتاز (هاغل) الاعتراضات التي أخذت عليه، وعلى رأسها عدم قربه من اسرائيل او سذاجته حيال ايران. وعلينا أن لا ننسى أن الرئيس ومستشاري الأمن القومي، هم الذين يصوغون السياسة الأمريكية، لذا يبقى وزير الدفاع رجل تنفيذ ضمن توجهات سياسية أمريكية ثابتة تجاه إسرائيل.