انتفاضة فلسطينية ثالثة؟ قراءة في أدبيات إسرائيلية بارزة

فلسطينية ثالثة؟ وهو سؤال من الواضح أن أحدا من الإسرائيليين لا يعرف الآن اجابته. فالضفة الغربية تشهد تغيرا واضحا في المزاج الشعبي والسياسي، تعاظم مع استشهاد الأسير (عرفات جرادات) تحت التعذيب خلال التحقيق معه في سجون الاحتلال مع استمرار معركة “الأمعاء الخاوية” لعدد من الأسرى. والتقارير الاسرائيلية، عن المواجهات في قرى ومدن ومخيمات الضفة عن ان انتفاضة ثالثة ربما تندلع، تقارير كثيرة، رغم أن جنرالات الجيش الاسرائيلي يستبعدون ذلك بشرط ان “لا يكون رد الجيش عنيفا على التظاهرات”. وكما حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق (إيهود أولمرت) من “إن إسرائيل تقف على حافة انتفاضة ثالثة، وأن الأجواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة قد تخرج عن السيطرة”. من جهته، حذر (شاؤول موفاز) رئيس حزب “كاديما” من أن “الانتفاضة الثالثة باتت وشيكة وعلى إسرائيل الاستعداد لها”. أما السياسي المعارض (يوسي بيلين) فقد حذر في مقال حديث من عدم مبادرة اسرائيل الى تسوية مع السلطة الفلسطينية تمنع سيطرة حماس على الضفة ايضا، حيث يقول: “الهدوء الذي ساد هنا سنين غير قليلة قد انتقض. ربما تكون انتفاضة على نار هادئة”. أيضا، لفت وزير الامن الداخلي (افي ديختر): “إلى أن انتفاضة أخرى قد تندلع اذا أسفرت المواجهات مع الفلسطينيين عن سقوط قتلى”. من جانبه، حذر عضو الكنيست (بنيامين بن أليعزر) من أن الأوضاع تسير باتجاه انتفاضة ثالثة، مرجحا أن تكون “أكثر دموية من سابقتيها”. أما (نحوم برنيع) فكتب يقول: “ان الانتفاضة ليست بقرار من اي مسؤول بل جمرة تشعل الحقل”.

مثل هذه المؤشرات جعلت وزير الخارجية الامريكي (جون كيري) يحاول جاهدا تهدئة الامور من خلال اتصالات هاتفية مستمرة مع الاسرائيليين والفلسطينيين خاصة مع زيادة سخونة الاوضاع واشتداد المواجهات على الارض قبيل الموعد المقرر لزيارة الرئيس (باراك اوباما). ويقول (عاموس هرئيل) في مقال بعنوان “مؤشرات أولية لانتفاضة ثالثة”: “لم تعد المواجهات شاذة في الاشهر الاخيرة. ولكن يبدو أن فيها مع ذلك أمرا جديدا: قوة الصدام التي أبداها الشباب. بعد فترة طويلة من الهدوء الامني، فان الضفة اكثر توترا مما كانت في الماضي”. ويضيف: “التخوف الكامن دوما في قلب رجال الاستخبارات هو من تفويت ملاحظة العلامات الأولية، على نمط ما حصل قبل اندلاع الانتفاضة الأولى 1987”. وفي مقال بعنوان “لم يوجد مثيل لهذه الانتفاضة”، قدم المحلل العسكري (أليكس فيشمان) أبعادا جديدة بعباراته: “مجسات الاجهزة الاستخبارية تصور في الضفة صورة مخيفة تُذكر بقدر كبير بالمسارات التي أفضت الى الانفجارات الثورية في مصر. فهناك مجموعات كثيرة من الشباب العاطلين ومن المثقفين وطلاب الجامعات واليساريين والليبراليين ومجرد شباب – بلا تنظيم تحت سقف واحد حتى الآن – يخلقون جوا عنيفا بعضه تآمري على اسرائيل بالطبع، لكن على المؤسسة الفلسطينية في الضفة ايضا. وتبحث كل هذه المجموعات عن الفعل وهي ترى حتى لو لم يوجد الى الآن تسونامي على الارض ان الانتفاضة الثالثة قد أصبحت هنا”. وفي سياق موضح، تطرق (عاموس هارئيل) أحد أبرز محللي الشؤون العسكرية قربا لوزارة الأمن الإسرائيلية إلى ظاهرة اقتحام الشباب الفلسطينيين للأراضي المهددة بالمصادرة، ونصبهم خياما يعلوها العلم الفلسطيني، كرد على إجراءات الاحتلال في مصادرة الأراضي وإقامة “المستوطنات” عليها. ويضيف (هارئيل): “على الرغم من تراجع الاحتمالات لنشوب انتفاضة ثالثة، فإن الأسابيع الأخيرة حملت ظاهرتين جديدتين من شأنهما وضع الحكومة الإسرائيلية المقبلة في موقف ليس مريحا: الأولى، تواصل ما يدور في الأراضي المحاذية لجدار الفصل العنصري، والثانية التي لا تملك – برأيه – إسرائيل طرقا لمواجهتها وهي المتعلقة بظاهرة قرية (باب الشمس)، التي أقامها الفلسطينيون ونشطاء يساريون إسرائيليون في المنطقة المسماة (E1)”. ويرى (هارئيل): “في الضفة تساور الجميع الشكوك من أن تحظى انتفاضة مسلحة جديدة بدعم وتأييد واسعين من الأهالي، إلا أن الإجراءات الأخيرة التي يستعملها الفلسطينيون باستخدامهم القوة الناعمة كما هو الحال في إقامة (البؤر) كما حصل في (باب الشمس)، سوف تتوسع في المستقبل المنظور، وستضع أي حكومة في وضع لا تُحسد عليه، ذلك أن اختيار الفلسطينيين اسم انتفاضة (باب الشمس) بأعمالهم المستقبلية، يعتبر مؤشرا لتحضيراتهم بتوسيع هذه الظاهرة”. واستكمالا للحديث عن هذه الظاهرة، كتبت (ميشيل ستاينبرج)، الباحثة الأميركية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، تقول: “بعد الانتخابات تركز غالبية المؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل على سؤال: هل الفلسطينيون في الضفة وغزة على وشك القيام بانتفاضة ثالثة؟ في شتى أنحاء العالم، صور مدينة الخيام الفلسطينية السلمية في المنطقة الجديدة التي يخطط الصهاينة لمصادرتها تكسب تأييدا جديدا للفلسطينيين. المحاكم الإسرائيلية قالت إن الفلسطينيين لهم حق في أن يكونوا هناك، لكن حكومة نتنياهو تناور لإزالتهم بالقوة، حتى ضد الأطفال”.

أما المحلل السياسي (امنون ابرافيتش) فيرى: “ان الناس في الضفة عرفوا السر بأن إسرائيل لا تحترم من يؤيد السلام وانها لا تفهم الا لغة القوة كما حصل ووافقت رغم انفها على صفقة شاليط وتوقفت عن الحرب على غزة حينما ضربت تل أبيب بالصواريخ”. وفي مقال بعنوان “الانتفاضات تولد وتتغذى بلهيب داخلي”، كتب (يوئيل ماركوس) يقول: “الانتفاضات لا تندلع بسبب تخطيط من قيادة استراتيجية ما. انها تولد وتتغذى بلهيب داخلي، من احساس الفلسطينيين بان هكذا لا يمكن الاستمرار، الانتفاضة هي الامر الاصغر الذي يمكن أن يحصل لنا. نحن نتحدث عن حرب اقليمية نحن في وسطها، يتصدرها اليمين المتطرف بقيادة بيبي”!

رغم كل الحديث والتخوف الإسرائيلي من بوادر انبعاث انتفاضة فلسطينية ثالثة، فإنه لمن المؤكد تجاهل الدولة الصهيونية للأسباب الحقيقية التي تؤجج الأوضاع وتؤدي لاندلاع انتفاضة. وفي مقال لافت بعنوان “انتفاضة تبحث عن اسم” يقول (خيري منصور): “منذ أَجْهَزت تل أبيب على أوسلو الذي أبقته خارج الدفن، رغم أن كرامة الميت دفنه، والانتفاضة تظهر وتختفي في الأفق كحصيلة متوقعة لفشل عملية السلام ومواصلة الاحتلال استراتيجيته الاستيطانية التي قضمت الأرض وأفرغتها من أصحابها، خصوصاً في القدس وما حَوْلَها. إن من يتوقّعون انتفاضة ثالثة وعارمة أيضاً هم الذين يصنعون بشكل يومي دوافعها وأسبابها”.