(كيري).. هل ينجح في إدارة الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط؟
(جون كيري) وزير الخارجية الأمريكية الجديد، صاحب الخبرة في شؤون الشرق الأوسط، تربطه علاقات مميزة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وكذلك مع رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس). وقبل أن أن يصبح (محمد مرسي) رئيسا لمصر، كان (كيري) أول مسؤول أمريكي رفيع المستوى يلتقي معه. و(كيري) شخصية معروفة على الساحة العالمية، وكان مبعوثا للرئيس الأمريكي (باراك أوباما) إلى أماكن عديدة منها باكستان وأفغانستان. لكن ما لا يعرفه الكثيرون عن (كيري) أنه من الشخصيات الأمريكية الرافضة للحرب، وهو موقف اتخذه بعد مشاركته في حرب فيتنام، بل إنه غالبا ما اتهم السياسات الأمريكية في فيتنام بأنها “جرائم حرب”. وأثناء الإنتخابات الأمريكية في 2004، وجه سهام انتقاداته للرئيس السابق (جورج بوش) قائلا بأن “لديه أحكاما خاطئة، وأنه تسرع في إعلان الحرب على العراق”. وفي 2007، سجل بأن “حرب العراق هي حرب خاطئة، أعلنت في وقت خاطئ، ودارت في المكان الخاطئ”. فهل يستطيع (كيري) إحداث تحول ملحوظ في السياسة الخارجية الاميركية؟ وكيف سيدير الدبلوماسية الأمريكية خلال المرحلة القادمة، خاصة في الشرق الأوسط؟
فور ترشيح (كيري) لمنصب وزير الخارجية، بادرت إسرائيل – في مجاملات استباقية وفقا لاجتهاد مراقبين – إلى الترحيب الشديد به. فقد بعث نائب وزير الخارجية الإسرائيلي (دانى أيالون) على الفور برسالة تهنئة، سبقها ترحيب رسمي من (نتنياهو) نفسه حيث قال: “كيري يتمتع بخبرة طويلة ومعروف بدعمه لأمن إسرائيل”. بل إن البيان الصادر عن مكتب (نتنياهو) مضى في المجاملة إلى درجة القول: “نحن أصدقاء منذ سنوات وأقدّر جدًا زيارة العزاء التي قام بها كيري قبل ستة أشهر إلى منزلي بعد أن توفي والدي، وأتطلع إلى العمل المشترك معه”. بالمقابل، ولأسباب مختلفة، بعثت رئيسة حزب “الحركة” (تسيبى ليفني) أكثر المعارضين (لنتنياهو) رسالة تهنئة لـ (كيري) مما أظهر للعيان وكأن رضى تاما يسود داخل مختلف الأوساط الحزبية في إسرائيل. بدورها، أفردت وسائل الإعلام الإسرائيلية مساحات كبيرة للحديث عن (كيري)، حيث ركزت الصحف على البحث عن جذوره اليهودية نسبة إلى جده. وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “إن كيري يعد صديقًا لإسرائيل ومن المدافعين عنها ولكنه فقط يعارض سياستها الاستيطانية في الأراضى الفلسطينية”. وأشارت إلى أن مسؤولين في الجالية اليهودية في الولايات المتحدة أبدوا رضاهم إزاء التعيين، كما أبدى المجلس اليهودي في الحزب الديمقراطي رضاه قائلاً: “إن كيري هو الشخص الصحيح لتمثيل الولايات المتحدة فى الساحة الدولية، وهو جيد للشؤون اليهودية الخارجية، وكيري يتعامل بواقعية بكل ماله علاقة بإسرائيل وهو يقف وبشكل واضح مع مبدأ يهودية الدولة”.
لكن هل حقا هذا هو الشعور الحقيقي السائد في الداخل الرسمي الإسرائيلي؟ أم أنه خوف مما قد يقدم عليه (كيري)؟ فرغم صداقة (كيري) لإسرائيل وزيارته لها عدة مرات ولقاءاته مع قادتها السياسيين والأمنيين، إلا أن لديه مواقف واضحة مناقضة للسياسة الإسرائيلية، خاصة سياسات (نتنياهو)، وفي مقدمتها سياسة التوسع الاستعماري/ “الاستيطاني”. كما أنه عبّر، أكثر من مرة، عن أنه لا يقدم الخيار العسكري على الخيار الدبلوماسي في معالجة الملف النووي الإيراني، وأنه لا يؤمن بالخيارات العسكرية في معالجة القضايا الإقليمية الأخرى، مثل الأزمة السورية.
في مقال حمل عنوان “جون كيري.. جاء ليجد حلولاً”، يقول السياسي الإسرائيلي المخضرم (يوسي بيلين): “بسبب قربه من اسرائيل واليهودية خاصة فانه شديد الاهتمام ولا يمتنع عن انتقادها. أما مزاعم انه معاد لاسرائيل فتجعله يبتسم. وهو قلق من سياسة الحكومات الاسرائيلية ويخشى على مستقبل الدولة، ولا يفهم ما هي خطة معارضي تقسيم (البلاد) في الوقت الذي ستسيطر فيه أقلية يهودية على أكثرية فلسطينية، ويؤمن بأن الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين له حل، ويعلم أيضا ما هو الحل الضروري”. ويختم (بيلين): “ان كيري بصفته وزير الخارجية لن يسحب يديه من الشرق الاوسط بل سيحاول كما يبدو ان يعمل بنفسه وان يفحص الخطوة السياسية العملية في هذه المرحلة. وقد يصبح نقطة ضوء آسرة في ادارة امريكية رفعت يديها في ظاهر الامر عن الحل في منطقتنا”. وبعبارات مختلفة، قال الكاتب الإسرائيلي (يعقوب أحمئير)، في مقال بعنوان “لدى جون كيري ما يقوله”: “قد تكون حكومة نتنياهو عندنا تفضّل مرشحاً آخر يرث كلينتون.. وينبغي أن نؤكد أنه في هذه الأيام التي تشتد فيها لهجة الولايات المتحدة في تصريحاتها المعارضة لنية توسيع البناء وراء الخط الأخضر، قد يتشدد كيري باعتباره وزير الخارجية في لغته الانتقادية على هذا الجانب من سياسة حكومة نتنياهو. هذا ما يُقدره العالمون في منطقتنا”. ويضيف “فيما يتعلق بسياسة إيران الذرية، يوقع كيري على كل صيغة للرئيس أوباما: فهو يفضل أولاً استنفاد نظام العقوبات وأقل من ذلك بكثير تفضيله عملية عسكرية على المنشآت الذرية”.
وفقا لتسريبات المقربين من (كيري) فإنه يأمل في تفعيل واستعادة دور أمريكي أكبر على صعيد تحديد السياسات في الشرق الأوسط، ودفع معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن علينا أن لا ننسى أن الرئيس ومستشاري الأمن القومي، مع وزير الخارجية وبخاصة إن كان من سوية (كيري)، هم الذين يصوغون وينفذون السياسة الأمريكية. ورغم أن وزير الخارجية يبقى عادة رجل تنفيذ فإنه (في حالة كيري يصبح رجل تنفيذ متحمس) مشارك في رسم السياسات ويستطيع أن يشكل فرقا، خاصة إن قرر الرئيس (أوباما) خوض غمار دور أمريكي فعال لتسوية الصراع في الشرق الأوسط. من هنا، نأمل أنه بتعيين (كيري)، تكون إدارة (أوباما) اتخذت الخطوة الأولى باتجاه محاولة إعادة توجيه دفة سياساتها، فالمشهود لـ (كيري) رغم تأييده المطلق لحق إسرائيل في الوجود وفي ضمان أمنها بل تفوقها العسكري (مثل الغالبية الساحقة من المسؤولين التنفيذيين والتشريعيين الأمريكيين) فإنه لن يبخل في توجيه دفة السياسة لإيجاد حل “متوازن” نوعا ما وبخاصة وأن مواقفه الانتقادية (لنتنياهو) وحكومته قديمة/ جديدة كونه من أكبر المتشددين في معارضة “الاستيطان”، ومن المؤيدين لتسوية سياسية وفق معادلة “دولتين (لشعبين)” على أن تكون القدس الشرقية في إطارها عاصمة لدولة فلسطين، وهو ما أكدته، على لسانه، صحيفة “يديعوت احرونوت”.