(أوباما) و(نتنياهو).. خلاف أم توافق

في العام 1999، عندما دخل رئيس الحكومة الاسرائيلية (بنيامين نتنياهو) في مواجهة مع الرئيس الأمريكي الأسبق (بيل كلينتون) كانت النتيجة الإطاحة بالحكومة الإسرائيلية. ومنذ عودته رئيسا للوزراء في 2009، بعد عقد من خروجه، يتكرر اليوم سيناريو مواجهة القرن الماضي مع الرئيس الحالي للولايات المتحدة (باراك أوباما)، حيث يستمر (نتنياهو) في مواجهة (اوباما)، الذي أطل عبر الاعلام الاميركي أثناء السباق الرئاسي متحدثا ضد سياسات الرئيس. بل إنه استقبل المرشح الجمهوري (ميت رومني) في اسرائيل وأقام له حملة جمع تبرعات، ثم عمل أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم اللوبي الاسرائيلي “ايباك”، علنا على دعم المرشح الجمهوري في وجه المرشح الديموقراطي.

 

ومع ذلك، نقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن مصادر مقربة من الرئيس الأميركي، أنه لا ينوي خوض مواجهة مباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في ولايته الثانية، تتعلق بالمسار الفلسطيني، بل اتباع سياسة “إهمال ناعم”، ظهر أول مؤشراتها في عدم ممارسة الولايات المتحدة ضغوطاً وجهوداً استثنائية تتعلق بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية بصفة مراقب، وفي عدم كبح الردّ الأوروبي الشديد على قرار (نتنياهو) دفع خطة البناء الاستعماري/ “الاستيطاني” في منطقة “أي ـ 1”. وبحسب هذه المصادر، تنقل “هآرتس”: فإن “نتنياهو مهتم بإنتاج مشهد عبثي لمسيرة السلام من أجل إنقاذ نفسه من العزلة الدولية ولذلك لن يسمح رجال أوباما لنتنياهو بإنتاج هذا المشهد، وسيفرضون عليه أن يلمس آثار تمرده، وسيسمحون للعالم الغاضب بأن يقوم بالبقية”. ويؤكد ما سبق مقال نشرته مجلة “نيوزويك” حيث يقول الشخصية الليبرالية الأكثر بروزاً في الجالية اليهودية الأميركية، والمقربة من أوباما، الصحفي اليهودي (بيتر بيرنت): “طاقم أوباما بلور استراتيجية جديدة، ترتكز على الوقوف جانباً والسماح لبقية العالم بالمواجهة مع نتنياهو، استناداً إلى تقدير مفاده أنه في اللحظة التي تتوقف فيها الولايات المتحدة عن محاولة إنقاذ إسرائيل من تداعيات نشاطاتها، وعندما تشعر بالعزلة الدولية المتزايدة، ستبادر إسرائيل إلى تغيير الاتجاه”. وينقل (بيرنت) عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية، قوله إن “اتجاه الرأي العالم العالمي هو ضدّ إسرائيل، وفي جوّ كهذا، إذا ما وقفت الولايات المتحدة جانباً ولم تفعل شيئاً، تكون بالذات قد قامت بشيء ما”. ورغم ذلك، وكله بحسب (بيرنت) نقلا عن مسؤولين أميركيين: “ستواصل الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل في المجال الأمني كما تفعل حالياً، وبالتالي ستواصل تمويل شراء منظومات القبة الحديدية وستساعد في كبح مسارات فلسطينية ضد إسرائيل في محكمة لاهاي الدولية. وفضلاً عن ذلك، ستعمل من أجل منع انهيار السلطة الفلسطينية، وأيضاً منع اشتعال أعمال (عنف) في الضفة الغربية وتجدد إطلاق الصواريخ من غزة”.

 

في تقرير لـ “CNN”، تحت عنوان هل “قاربت” غزة بين أوباما ونتنياهو”، يرى محللون أن “أزمة غزة الاخيرة ربما ساهمت في “اذابة” الجليد بين واشنطن وتل ابيب ومهدت مسار العلاقات بين الحليفين الذي تخللته “مطبات” الملف النووي الإيراني و”المستوطنات”. ففي بيان أمريكي، تخللته اللغة المألوفة بتأكيد واشنطن دعمها الراسخ لامن اسرائيل، قال البيت الابيض “ان الرئيس اوباما اشاد بنتنياهو لموافقته على الاقتراح المصري لوقف اطلاق النار- وهو ما أوصى الرئيس رئيس الوزراء الاسرائيلي للقيام به. وبالمقابل، رد نتنياهو، على البيان بآخر جاء فيه أنه “قبل” بتوصية اوباما لتوقيع الاتفاق، و”شكر” الرئيس الأمريكي على دعمه لبلاده”. ولهذا، يبرر (ديفيد ميللر) المفاوض الامريكي السابق بعملية السلام بالشرق الأوسط ، الموقف الامريكي بالقول: “أعتقد أن ما نراه حاليا هو مجهود من جانب الرئيس لايداع بعض العملات في رصيد علاقته مع نتنياهو”، مضيفا أنه “بدافع الضرورة شدد الرئيس الامريكي مراراً على حق اسرائيل في الدفاع عن النفس، وفي ذات الوقت، دفع كافة الاطراف المعنية لايجاد حل سريع”. وختم قائلا: “باعتقادي أن العلاقة بين نتنياهو واوباما هي العلاقة الاكثر اختلالاً بين رئيس امريكي ورئيس حكومة اسرائيلي.. وجانب كبير من ذلك يعود الى الثقة المفقودة بين الجانبين”.

 

لكن هذا الرأي لا يتفق تماما مع تحليل كتبه الكاتب الإسرائيلي (ألوف بن) حيث كتب يقول في مقال بعنوان “أوباما لن يعاقب نتنياهو”: “ثمة من يتوقع فى إسرائيل أن يغير أوباما السياسة الخارجية الأمريكية انتقاما من نتنياهو، ويدلل على ذلك بمواقف الرئيس الأمريكي في دورته الأولى، والذي كان يريد إخراج إسرائيل من الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطين المستقلة على بقايا المستوطنات، لكن رغبته فى إعادة انتخابه وحاجته إلى المتبرعين والناخبين اليهود منعتاه من القيام بذلك. بيد أن أوباما يستطيع اليوم، بعد انتخابه لولاية ثانية، أن يتصرف مع إسرائيل من دون كوابح، وفى حال واصل نتنياهو توسيع المستوطنات والادعاء بـ”عدم وجود شريك”، فإنه سيصطدم بموقف أمريكي أكثر تشددا”. ويضيف: “من المحتمل أن يكون أوباما يرغب في قرارة نفسه في أن يتصرف بهذه الطريقة مع نتنياهو، لكنه يعلم أنه ليس مواطنا عاديا، وأن ما يجري ليس مسألة شخصية، فهو رئيس دولة عظمى ولا يرغب في فشل لا ضرورة له”.

 

إن (أوباما) لا يثق في (نتنياهو) ويعتقد أنه يتحمل مسؤولية أساسية عن إحباط محاولات إعادة إحياء مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية (وهو التوجه الذي كان قد وضعه في صدارة اهتماماته في ولايته الأولى). واليوم، أصبح واضحا أن (أوباما) لن يساند (نتنياهو) وإن كان لن يصطدم معه بشكل مباشر وصريح. ولأن (أوباما) سيكون أكثر حرية في ولايته الثانية، تبدو دوافع تحسن الأجواء بينهما أضعف من بواعث استمرار النفور، في ظل توافق عديد المراقبين الاسرائيليين على أن أساس التوتر هو اختلاف الرؤية السياسية: (فأوباما) يؤيد “حل الدولتين”، وهو مع وقف “الاستيطان” وإخلاء بعض “المستوطنات” ومنح تسهيلات للفلسطينيين، فيما (نتنياهو) قومي يميني مناصر “للاستيطان” و”الترانسفير”، رافض للحقوق الوطنية الفلسطينية، متشبث للغاية بالوضع الراهن، يسرع البناء في المستعمرات/ “المستوطنات” في الضفة الغربية وتهويد القدس. والحال كذلك، يرى بعض العالمين ببواطن الأمور أن سياسة (أوباما) لن تكون عبر توجيه ضربة قاتلة مباشرة (لنتنياهو) بقدر ما سيحاول الفوز بمراكمة النقاط، ومن خلال سياسة “عانقه.. كي تكف يديه وتقيده” بدلا من عداء ظاهر وصارخ. وستأتيك الأيام بما كنت جاهلا!