شهادات إسرائيلية: عزلة الدولة الصهيونية
لطالما سعت الدولة الصهيونية إلى تقديم نفسها باعتبارها بلدا يتبنى قيم الحضارة الغربية. وعلى الرغم من عدم صدقية هذا القول، أصلا، في ظل عنصريتها التي تتناقض جوهرياً مع ديمقراطيتها المزعومة، إلا أن إسرائيل رسخت في العقل الباطن الغربي هذه المزاعم، خاصة مع الدعاية الصهيونية العالمية التي – نعترف – تتسم بقدر كبير من فنون المعرفة بأصول الدعاية الموجهة. لكن هذا الأمر تغير كثيرا اليوم، وباتت شرعية هذا الكيان محل تشكيك الكثيرين بعد أن أدرك العالم ما تقوم به الدولة الصهيونية من فرض واقع جديد على الارض مغاير تماما لما يسمى “الشرعية الدولية”.
قبل أيام معدودة من اعتراف الأمم المتحدة بعضوية فلسطين دولة غير عضو بصفة مراقب، نشر موقع القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي تقريرا قال إنه سري عملت وزارة الخارجية على إعداده، أكد “أن الجمود السياسي في المنطقة وتحديدا المفاوضات مع الفلسطينيين أضر بسمعة إسرائيل ويساهم في إزالة الشرعية الدولية عنها”. ونقلت صحيفة “معاريف” مضمون التقرير الذي أعدته الدائرة الجديدة المكلفة درس الردود التي يجب ان تقدم على الحملات الدولية المناهضة لإسرائيل نتيجة احتلالها للأراضي الفلسطينية ولسياستها الاستعمارية/ “الاستيطانية”، اضافة الى جوانب اخرى تدرجها اسرائيل في اطار “نزع الشرعية” عنها. وجاء في ذلك التقرير أن “الجمود السياسي ومعارضة إسرائيل للتوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة يقوضان على نحو خطير سمعة إسرائيل وشرعيتها في كثير من دول العالم”. وأشار أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين المخضرمين الذين أعدوا التقرير إلى أن “السلوك الإسرائيلي في مواجهة الخطوة الفلسطينية كان سببا رئيسيا في نظرة العالم اتجاه إسرائيل الآن”.
صحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية تحدثت مؤخرا، عن قرار إسرائيل بناء ثلاثة آلاف بؤرة استعمارية/ “استيطانية” جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، وذلك بعد يوم من موافقة الأمم المتحدة على قبول فلسطين، حيث قالت: “إن الانتصار الدبلوماسي المدو للفلسطينيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة أبرز عزلة إسرائيل الدبلوماسية”، مشيرة إلى أن ثمان دول فقط من بين 193 دولة هي التي تبنت موقفا داعما لإسرائيل برفض رفع درجة التمثيل الفلسطيني. واعتبرت الصحيفة أن هذا النوع من العزلة الدبلوماسية لإسرائيل كان بشكل عام نتاجا للدعم القوي الأوروبي للخطوة الفلسطينية، مشيرة إلى أنه لم يصوت فقط غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لصالح القرار بينهم فرنسا وإيطاليا وأسبانيا، لكن كان هناك امتناع عن التصويت من جانب دول اعتبرت عادة بأنها حليفة قوية لإسرائيل مثل ألمانيا وهولندا. وفي السياق نفسه، جاءت أشد عبارات الشجب من الرئيس الفرنسي (فرنسوا هولاند) والتي قال فيها أنه “يفضل عدم الانتقال الى استخدام العقوبات ضد اسرائيل لدفعها الى التراجع عن قرارها الاستيطاني”. وفي ذات السياق، يأتي تحذير المستشارة الالمانية (انجيلا ميركل) لـ (نتنياهو) ومطالبته بأن “يختار بين السلام، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية، او مواجهة عزلة دولية”.
بالمقابل، تتجاهل الدولة الصهيونية كتابات إسرائيلية متزايدة عن أن سبب ما “تعانيه” على صعيد “نزع الشرعية” عنها إنما هو ناجم عن سياساتها الاحتلالية والعنصرية، خاصة مع وجود سياسي مثل (بنيامين نتنياهو) على رأس حكومة يمينية. وقالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في افتتاحية لها: “إن قرار بناء البؤر الاستيطانية الجديدة جاء عقاباً من الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وضد العالم بعد إقرار عضوية المراقب لفلسطين، وفي مواجهة العالم الذي يطالب بدولة فلسطينية وينبذ الاحتلال”. وأوضحت أن رفض إسرائيل التجاوب مع هذا الطرح يعمق ويجذر العزلة والانفصال بينها وبين الواقع في العالم، وأنها بدلاً من الاستفادة مما جرى واستخلاص العبر من الفشل الحالي، انساقت الحكومة الحالية وراء سياسة منحازة وتمييزية أخرى”. وذكرت أن “نتنياهو على ما يبدو يقدم لما سيواجه الحكومة المتوقع أن يشكلها بعد فوزه في الانتخابات القادمة، وهي: التشدد، والعزلة السياسية، وانتقاد العالم”. وفي هذا يقول (يهودا بن مئير) في مقال بعنوان “الحقيقة المرة: هزمت إسرائيل سياسيا في الأمم المتحدة”: “أُصيبت إسرائيل بهزيمة سياسية. فلا تستطيع جميع التفسيرات والتعليلات واظهار الحكمة والتعوجات من متحدثي الحكومة واعضاء “الليكود” أن تخفي الحقيقة المُرة. فقد أثبت التصويت في الجمعية العمومية للامم المتحدة على رؤوس الأشهاد عزلة إسرائيل القاسية، وهي عزلة لم نجرب مثيلا لها منذ ان انتهت عملية سيناء”. ويقول (شاؤول اريئيلي) في مقال نشرته “هآرتس” بعنوان “اسرائيل في الطريق الى عزلة دولية”: “فنتنياهو بخلاف كل أسلافه تقريبا صاحب ايديولوجية عالمه مقسوم بين الاسود والابيض. فالعدل والحكمة موضوعان في جعبة طرف واحد فقط، هو طرفه. وهو يرى ان دولة م.ت.ف التي ستُغرس على مبعدة 15 كم من تل ابيب هي تهديد وجودي لها”. ويضيف: “ان وحدته مع افيغدور ليبرمان الذي يرى عباس عائقا أمام السلام ستعزز اعتقاداته وتؤدي باسرائيل نهائيا الى منزلة (شعب يسكن وحده). وقد عمل نتنياهو بصورة واضحة على مجابهة رئيس امريكي يتولى عمله، وأصبح زعماء اوروبا يرون أنه لا يقول الحقيقة، وهو لم يمنع المس بالعلاقات بمصر وبالاردن. فليس هو وليس ليبرمان المنبوذ من المجتمع الدولي، هما الزوجين المناسبين لليوم المتوقع لاسرائيل”. وفي مقال بعنوان “ليبرمان.. وزير خارجية فاشل وخطير” يقول (آري شبيط): “ليبرمان وزير خارجية فاشل مُقاطَع جزئيا في الولايات المتحدة ومُقاطع جزئيا في اوروبا وهو يجعل اسرائيل تُرى في الغرب دولة فقدت صورتها. لا شك على الاطلاق في ان ليبرمان عبقري سياسي. فالعبقري السياسي وحده هو الذي يستطيع ان يضلل دولة كاملة وان يتلاعب كما يشاء ببرنامج عمل كراهية العرب وبرنامج عمل كراهية الحريديين كي يهدم بيتنا الاسرائيلي في حين يبني اسرائيل بيته”.
وفي المحصلة فهذه السياسة اليمينية ليس مصدرها (نتنياهو) أو (ليبرمان) فحسب، بل هناك توجه عام إسرائيلي راهن، يتجذر يوميا، ويرفض الحقوق الوطنية الفلسطينية، ولا يؤمن بالتعايش السلمي، ويرى في علاقات اسرائيل مع العالم العربي كفاحا لا ينتهي بين قوى النور وقوى الظلام!!!