المحترمون هم الأقوياء: نحو قمة عربية فاعلة؟

في الجو المشحون، هذه الأيام، في منطقة الشرق الأوسط، تتعدد القضايا الخطيرة التي تمس المصير العربي، ومن ضمنها القضية التي طالما أسموها “القضية المركزية للعرب” أي القضية الفلسطينية، خاصة مع تجدد الحرب على قطاع غزة التي يراد لها أن تصبح ورقة بيد الدولة الصهيونية تستخدمها متى شاءت متذرعة “بالأمن الإسرائيلي”. ومع كل التغيرات في العالم اليوم، تبقى حقيقة كون الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر قوة في العالم، رغم وجود الرئيس (فلاديمير بوتين) على رأس الحكم في روسيا وهو الذي يحرص على أن تمسك بلاده بعديد الأوراق بيدها في المنطقة. لذا، يتكثف شخوص الصراع بين العضوين الدائمين في المنظمة الدولية بشأن عديد القضايا بدء من الدرع الصاروخية الأمريكية المنوي نشرها في أوروبا مرورا بأفغانستان وإيران وصولا إلى النزاع في سوريا وغيرها، حيث يطرح كثير من المحللين سيناريوهات مفترضة حول العلاقة بين البلدين، وعن ما يمكن أن يقدمه كل طرف من تنازلات للطرف الاخر في مجموع القضايا، من بينها المؤشرات التي تفيد بأن هناك صفقة بدأت تتشكل خيوطها وتبرز معالمها في الأفق، في المركز منها الوضع في سوريا والمشروع “النووي الإيراني”… وطبعا الصراع العربي/ الإسرائيلي.

 

في خضم كل هذا، كررت إسرائيل إحدى سيناريوهاتها المفضلة: حرب همجية على قطاع غزة، فيما المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الذي انعقد في دورة طارئة من أجل نصرة “القطاع” امتنع عن حضوره والمشاركة فيه عدد من الوزراء العرب، وكان بلا معنى. بل إن محلل القناة العاشرة الإسرائيلية (تسفيكا يحزقيلي) قلل من قيمة الاجتماع، وقال مخاطبا الإسرائيليين: “اطمئنوا فإن القادة المجتمعين في القاهرة لن يغيروا شيئاً في المعادلة، وإن خطاب أردوغان مجرد كلام إنشاء يعجب الجمهور”. صحيح أنه لم تعقد أي قمة عربية في الماضي دون أن تكون أمامها قضايا “جانبية”، ثنائية غالبا، لكنها صعبة وليست خالية من انعكاسات التوترات في علاقات بعض الدول العربية ببعضها الآخر، إلا أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت القضية العربية المزمنة التي يزيدها الاحتلال الإسرائيلي تعقيدا يوما بعد يوم، فيما يجهد الغرب في تجاهلها مقابل قضايا أخرى.

 

الجديد، أن الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) يدخل اليوم البيت الأبيض للمرة الثانية دون تغيرات ملموسة في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية (حتى الآن على الأقل) رغم المثابرة من قبل إدارته الأولى في طرح المواقف الواضحة المبكرة بشأن وقف بناء المستعمرات/ “المستوطنات”. ورغم صحة القول بأن أجندة كل رئيس وأطروحاته تدخل عليها تعديلات ومستجدات في ضوء ثبات الأهداف الاستراتيجية الأمريكية المستندة أساسا إلى مصالح ثابتة وقوى ضغط (لوبيات) راسخة، فان الرئيس (اوباما) الذي يؤيد “حل الدولتين”، لديه دوما “هامش مهم” يستطيع من خلاله أن يحاول فعل بعض ما في وسعه لإيجاد حل للقضية الفلسطينية. ولكن (أوباما) لن ينجح في مسعاه دون موقف عربي موحد وواضح يساعده في نواياه الحسنة المعلنة تجاه العالمين العربي والمسلم. ومقومات هكذا موقف عربي قوي متوفرة، فكلنا نتفق على أن الدعم الأمريكي غير المشروط وغير المحدود لإسرائيل في كافة المجالات قائم على اقتناع واشنطن بضرورة وجودها في مسرح الأحداث الرئيسي في الشرق الأوسط، حيث الممرات الإستراتيجية ومنابع النفط، وهذه كلها بيد العرب. فلماذا لا يكون العرب (ودول العالم الإسلامي أيضا) هم أصحاب المبادرة بدل أن يكونوا مجرد متلقين وأصحاب ردود فعل يدفعوا ﺛﻤﻦ اﺗﻔﺎقات ﻗﻮى إﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ﻣﻊ ﻗﻮى ﻛﺒﺮى؟!!!

 

هنا يبرز السؤال: ماذا يمكن أن يُقدم العرب (والمسلمون) من أجل مساعدة (أوباما)؟!! أولى الأولويات يتعلق بالمصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام. فبعيدا عن الأسلوب الخطابي المشحون بالعاطفة، فإن المحرقة الإسرائيلية التي تلتهم أهلنا في قطاع غزة بين الحين والآخر، ما هي إلا نتاج حالة التفكك والتشرذم الفلسطينية التي يستغلها الإحتلال بأبشع الطرق، خاصة في ظل الظروف الإقليمية الدولية الصعبة التي تكاد تنبئ بفشل أي طرح لعقد قمة عربية اعتدنا على ممارسة ضغوط عليها من هنا أو هناك. ولكن الأمر المؤكد أنه ليس هناك مستحيل في السياسة، فالعثور على وسائل لتخفيف الازمات واحتوائها ليس بالأمر المستحيل إن كانت المصلحة العامة هي المعيار. في هذا السياق، يمكن استذكار الضغوط العربية التي مارستها مصر عبد الناصر بعد استقلال الجزائر، والتي أجبرت الجزائريين على الوحدة وذلك بعيد الاستقلال وطرد الاحتلال الفرنسي، وكذلك ربما يأتي في هذا النطاق اتفاق الطائف (1989) الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، وأخيرا الضغوط التي تعرضت لها قوى سورية معارضة جمعها مسؤولون عرب وآخرون أمريكيون وأجبروها تحت التهديد على توحيد العمل المعارض.

 

بالأمس، وفي خضم العدوان على قطاع غزة، تجلت جهود المصالحة الفلسطينية بالضفة الغربية نحو إنهاء الانقسام، بوحدة ميدانية تمثلت في مشاركة جميع الفصائل بما فيها حماس وفتح والجهاد الاسلامي بمسيرات شعبية نظمت في مدن الضفة حيث ظهرت قيادات من تلك الفصائل مجتمعة معلنة انهاء الانقسام، وذلك على وقع هتافات المشاركين “يا قسام يا حبيب، إضرب إضرب تل ابيب”. ورغم ما اعتبره كثير من القادة الفلسطينيين من أن هذه الاستجابة الشعبية والفصائلية الواسعة تؤكد رسوخ وحدة الشعب الفلسطيني وقواه ورفضه للانقسام ما يفرض على الجميع النهوض بمهمة استعادة الوحدة الوطنية ورص الصفوف لمواجهة العدوان والمضي قدما على طريق تحقيق الأهداف الوطنية، إلا أن الأمر أكبر من رد فعل، فالمطلوب ضرورة ترتيب وعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية فوراً، وبمشاركة كافة الفصائل والأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني وبخاصة بعد “الرسائل” الوردية المتبادلة بين الرئيس محمود عباس زعيم فتح، وخالد مشعل زعيم حماس.. بالتوازي مع دعوة صادقة للعرب بأنه حان الأوان ليكون للعرب، خاصة دول الربيع العربي، أصحاب أفعال وليس مجرد متلقين وأن يخرجوا من عباءة “امتهان رد الفعل”، فالصهيونية وعموم العالم الغربي، دائما، لا يحترمون سوى من يحترم نفسه!!!