العمال الفلسطينيون في “المستوطنات”.. لا بواكي لهم
المانحة بالتزاماتها”. هذا هو ملخص تقرير أصدره مؤخرا البنك الدولي، مؤكدا “أن إسرائيل تخنق النمو الفلسطيني من خلال إعاقة التنمية في المنطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية الكاملة”. وبحسب التقرير، فان الوضع المالي للسلطة الفلسطينية “من المحتمل ان يزداد سوءا بنهاية عام 2012”. في سياق متمم، أفاد تقرير البنك الدولي أن “وجود المستعمرات/ “المستوطنات” التي تشغل نحو 42% من أراضي الضفة يحد من آفاق النمو الاقتصادي الفلسطيني، وأن النمو المستمر في حجم الاراضي المخصصة للانشطة الاستيطانية داخل الضفة أدى لتقسيم الاراضي الى جيوب أصغر حجما وأكثر انعزالا عن بعضها البعض”. كما أن كل ذلك أفشل مخطط السلطة لتقليل عدد العالمين في المستعمرات/ المستوطنات” الإسرائيلية.
والحال كذلك، لم تجد أغلبية العمالة الفلسطينية أمامها طريقا سوى العودة مجددا إلى العمل في “المستوطنات”. وفي هذا السياق، يمكن فهم تصريح وزير العمل الفلسطيني من أن “الازمة الاقتصادية التي تعيشها الاراضي الفلسطينية أسهمت في رفع نسبة العاملين الفلسطينيين في المستوطنات”، وذلك بعد أن أعلن جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني في تقريره ان “الربع الثاني من العام 2012 شهد ارتفاعا في عدد العمال الفلسطينيين العاملين في المستوطنات من 13 الفا الى 15 الف عامل”. وأضاف الوزير: “الفارق أيضا في الاجور التي يتقاضاها العامل في المشاريع الفلسطينية وتلك التي يتقاضاها في داخل المستوطنات أسهم بلا شك في زيادة نسبة العاملين في المستوطنات”. وبحسب تقرير جهاز الاحصاء، ارتفع عدد العمال الفلسطينيين العاملين في اسرائيل و”المستوطنات” في الربع الثاني من العام الحالي من 77 الف عامل الى 80 الف عامل بينهم 41 الف عامل حاصلين على تصاريح إسرائيلية، والبقية يعملون بدون تصاريح. هذا مع الإشارة إلى أن تقارير سابقة، من جهات غير الجهاز المركزي، أفادت بوجود عمال فلسطينيين في “المستوطنات” أكثر بكثير مما ينشره الجهاز خاصة في فترة مواسم الخضار والتمور، على الرغم من أن السلطة أقرت في العام 2010 “القانون رقم (4) لسنة 2010 بشأن حظر ومكافحة منتجات المستوطنات”، حيث نص البند الثالث من المادة (4) من القانون على منع أي شخص من تقديم سلعة أو خدمة للمستوطنات. ووفق هذا البند فالعمل في “المستوطنات” يعتبر مخالفا للقانون!!!
في ندوة نظمتها دائرة الشؤون القانونية في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، مؤخرا، تحت عنوان “عمال المستوطنات الى اين؟”، طالب المشاركون بمواجهة هذه الظاهرة عبر تشجيع السلطة على الاستثمار وتوفير فرص عمل بديلة تمكن العمال وأسرهم من العيش بكرامة الى جانب توفير الحماية الاجتماعية للعمال والعاطلين عن العمل. وربما من أهم التوصيات التي يجب دراستها ما أكدته “الندوة”: تعزيز الحوار الاجتماعي بين مختلف أطراف الانتاج الفلسطينية وبالخصوص في رسم وتنفيذ سياسات التشغيل وحماية حقوق العاملين، والتصدي لظاهرة سماسرة العمل، وضرورة حماية وتطوير المنتج الفلسطيني بما يسهم في مقاطعة المنتجات الاسرائيلية وتشجيع وجلب الاستثمار بما يوفر فرص للعمل، واعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية بما يحد من الاستيراد ويحمي الصناعات الوطنية .
صحيح أنه لا يمكن إنكار وجود وعي وعلاقة منفعة متبادلة بين “المستوطنات” والعمال الفلسطينيين، حيث إن بناء وتشييد المستعمرات/ “المستوطنات” يعتمد على العمال الفلسطينيين، والعديد من العمال الذين لا توجد لديهم تصاريح للعمل في إسرائيل دائما ما يجدون فرصة عمل في “المستوطنات”. وصحيح أن اﻟﻌﻣﺎل اﻟﻔﻠﺳطﯾﻧﯾين اﻟذﯾن أﺟﺑرﺗﮭم اﻟظروف وارﺗﻔﺎع ﻧﺳب اﻟﺑطﺎﻟﺔ وﺷظف اﻟﻌﯾش على اﻟﻌﻣل ﻓﻲ “اﻟﻣﺳﺗوطﻧﺎت” ﯾدرﻛون أن وجود “اﻟﻣﺳﺗوطﻧﺎت” ﻏﯾر ﺷرﻋﻲ وأنها ﻣﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ أراض ﻓﻠﺳطﯾﻧﯾﺔ، وأن ﺑراﻣﺞ وﺧطط أﻋﻠن ﻋﻧﮭﺎ ﻻﺳﺗﯾﻌﺎبهم لم ﺗﻛﺗﻣل ﺑﻌد، وأن ﻋﻣﻠﮭم اﻻﺿطراري واﻗﻊ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻧﻛﺎره وﻟﻘﻣﺔ ﻋﯾﺷﮭم ﻣﻣزوﺟﺔ ﺑﺎﻻﺑﺗزاز واﻻﺳﺗﻌﺑﺎد ﻣن ﻗﺑل مستعمرات تبنى وﺗﻧﺗﺞ ﻛﺎﻓﺔ أﻧواع اﻟﻣﺣﺎﺻﯾل اﻟزراﻋﯾﺔ ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ الفلسطينية المسروقة اﻟﺗﻲ ﺗروى ﺑﻣﯾﺎه ﻔﻠﺳطﯾﻧية. لكن الأمر لا يقتصر على المنفعة المادية الشخصية فحسب، فكيف يمكن للسلطة الفلسطينية تجاوز الاحراج الشديد، وكسب التأييد الدولي للموقف الفلسطيني في المعركة الدبلوماسية ضد “الاستيطان”، دون مواجهة مشكلة العمالة الفلسطينية في “المستوطنات”؟!! نعم، ندرك سياسات وممارسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ الاحتلال الاسرائيلي عام 67 في السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني، الذي أجبر العمال الفلسطينيين على العمل في السوق الاسرائيلي، لكن هذه الظاهرة أمر جد خطير لا يمكن التهاون فيها، خاصة في ظل الاجماع الوطني الفلسطيني المتمثل في رفض “الاستيطان” بكافة أشكاله. وبذلك فإن من يتحمل مسؤولية هذه الجريمة ليس العامل البسيط الذي يبحث عن قوت أطفاله بل المؤسسة الفلسطينية نفسها (حكومة وفصائل) التي سنت قانونا يجرم العمل في “المستوطنات” وعجزت عن تنفيذه ما يوفر فرص عمل لهؤلاء العمال كجزء من محاربة “الاستيطان”. ناهيكم طبعا عن مسؤولية معظم الدول العربية والإسلامية التي لم تمد أياديها إلى جيوبها للدفاع عن فلسطين وأهلها.
هناك بدهية معروفة بأن قرارا بشأن العمالة الفلسطينية في المستعمرات يحتاج تنفيذه إلى إجماع وطني. وهو كذلك بحاجة لتحديد الآليات وتوضيحها، في ضوء خصوصية كل قضية، ووفق جدول زمني، وأن تطبيقا عشوائيا لأي قرار يؤدي إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل ويؤثر سلبا بشكل كبير على الاقتصاد الوطني وعلى نسب الفقر. وعليه، نؤكد حقيقة كون القرارات المتعلقة بمصير شعب وبقضاياه الكبرى لا بد لها، كي تجد طريقها إلى التنفيذ السليم، من رؤية وخطة عمل شاملتين، وهذا ما يبدو أنه غائب أحيانا عن نهج الحكومة الفلسطينية التي تتهم باعتمادها، في عدد من قراراتها، على العاطفة والحماسة فقط ضمن حملة شعبوية للتنفيس عن شعور وطني محتقن. إن ظاهرة خطيرة كهذه (ازدياد عدد الفلسطينيين العاملين في “المستوطنات”) يحتاج دراسة معمقة وخططا ممنهجة وصولا الى النتائج المرجوة، على رأسها إيجاد البديل، لا أن ينضم آلاف العاملين هؤلاء الى جيش العاطلين عن العمل. وعليه، مطلوب من المستوى الرسمي الفلسطيني (والعربي والمسلم أيضا) اتخاذ موقف ينجز مقاطعة شاملة “للمستوطنات” بكل مخرجاتها، في سياق العمل لإيجاد البدائل الحقيقية، دون الاكتفاء برفع الشعارات.