“اللاجئون اليهود”: دعوات إسرائيلية وردود مضادة
حملة “أنا لاجئ يهودي”، التي أمر بها وزير الخارجية الإسرائيلي (افيغدور ليبرمان) ويتولى مسؤوليتها نائبه في الوزارة (داني أيالون)، باتت واحدة من القضايا التي تتبناها حكومة (بنيامين نتنياهو). كما بات من المؤكد أنها ستصبح نقطة مركزية في سياسة كل حكومة إسرائيلية قادمة. فهذه “الحملة”، التي نسقت لها إسرائيل بنجاح بعد أن عقدت مؤتمرا لها في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نهاية أيلول/ سبتمبر المنصرم، بدأت تأخذ بعدها العالمي في مسعى إسرائيلي لجعل النقاش حولها لا يقل أهمية عن ملف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وصولا الى إمكانية المساومة والتنازل في الملف الفلسطيني مقابل الملف الإسرائيلي. وفي هذا السياق، تقول صحيفة “هآرتس”: “الضغط العربي الشديد على الأمم المتحدة فشل في منع حدث هو الأول من نوعه حول اللاجئين اليهود من الدول العربية حيث افتتح الاجتماع في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، والمطلب العربي بإلغاء الاجتماع رفض، وفي أعقاب ذلك توجهت الدول العربية إلى سكرتاريا الأمم المتحدة بطلب وضع طاولة على مدخل قاعة الاجتماع لتوزيع بيانات للصحافة، إلا أن هذا المطلب رفض أيضا”. وتضيف: “تم بث الاجتماع بشكل مباشر في قناة الأمم المتحدة تحت عنوان (الرواية التي لم ترو بعد عن الشرق الأوسط: العدالة للاجئين اليهود من الدول العربية). وشارك فيه كبار المسؤولين في الأمم المتحدة وسفراء دول غربية”. ومن القضايا التي أثارها (أيالون) أن التقديرات الموثقة تؤكد أن ثمن أملاك اليهود “الذين لجأوا” من الدول العربية إلى إسرائيل تتجاوز 6 مليارات دولار، بينما لا تكاد أملاك الفلسطينيين اللاجئين تساوي 3 مليارات دولار!! إضافة لذلك، يزعم (أيالون) في محاولته صياغة تاريخ جديد، أن “اليهود لجأوا إلى إسرائيل بعدما تعرضوا للاضطهاد على يد الدول العربية، وقد شكلت لهم إسرائيل مأوى، ومنحتهم جنسيتها، وهي كفيلة بالدفاع عن مصالحهم، بما في ذلك المطالبة بالتعويضات عن أملاكهم التي خلفوها وراءهم. أما اللاجئون الفلسطينيون، فهم ليسوا لاجئين، بل غادروا “البلاد” بمحض إرادتهم، نزولا عند نداء الدول والجيوش العربية، التي شنت حربا ضد إسرائيل في العام 1948″. أما سفير إسرائيل في الأمم المتحدة (رون بروش أور) فقد هاجم المنظمة الدولية، وقال “إنه منذ قيام دولة إسرائيل أنفقت الأمم المتحدة ميزانيات طائلة على اللاجئين الفلسطينيين ولم تنفق مليما واحدا على اليهود الذين تم طردهم من الدول العربية، كما أصدرت 172 قرارا عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ولم تصدر قرارا واحدا عن اللاجئين اليهود”.
منذ خمسينيات القرن الماضي، طرحت مسألة المطالبة بتعويض يهود الدول العربية عن أملاكهم في عشرات المبادرات. وفي كل مرة، تراجعت الحكومات الإسرائيلية عن تبني هذا الأمر رسميا خشية إثارة قضية اللاجئين الفلسطينيين. فاللاجىء هو من اضطر الى ترك بلده رغما عن إرادته، وهو يريد ويسعى للعودة إليها. أما يهود الدول العربية فلم يطردوا من بلادهم، بل تركوها بتشجيع وتحفيز من الحركة الصهيونية، علاوة على أنهم إذا أرادوا التعويض فليطلبوه ممن تسبب في هجرتهم واستغلهم في مشروعه الاستعماري/ “الاستيطاني” في فلسطين. وقد تأكد هذا الأمر – إسرائيليا – حين خرج بعد أيام قليلة من إطلاق “الحملة” يهود عراقيون إسرائيليون، بحملة مضادة، واعتبروا المعركة الإسرائيلية الجديدة “خديعة تهدف بالأساس إلى تشويه تاريخ هؤلاء اليهود وطموحاتهم”، وهددوا بالتوجه إلى المحكمة الدولية معلنين صراحة أن “المعركة تقودها الحكومة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين على حسابهم”. وقد شكل العراقيون في إسرائيل لجنة اطلقوا عليها “لجنة يهود بغداد” برئاسة الشاعر (الموغ بهار) الذي قال: “إن أيالون والحكومة الإسرائيلية ووزراء من اليمين يحاولون استغلال تاريخنا بطريقة مهينة في ألاعيبهم السياسية. هذه الخطوات خطيرة جداً ونعتبرها القشة التي قصمت ظهر البعير، فهذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها محو تاريخنا واستغلاله وتشويهه”. وفي توجهها للحكومة، قالت اللجنة: “نـشكر الحكومة من صميم قلوبنا على الخطوة السريعة، التي استغرقت 62 عاماً، لكي تعترف بنا كلاجئين بعد فحص كل وثائقنا”. وكتبت اللجنة تقول: “نطالب باستعادة أملاكنا من الحكومة العراقية، لا من السلطة الفلسطينية، ونحن غير مستعدين أن يتم تحصيل التعويضات عن أملاكنا مقابل أملاك الآخرين”.
من جانبه، قال المحامي العراقي الأصل (كوخافي شيمش): “إن حكومة إسرائيل غبية في طرحها هذه الحملة. فاللاجئ القادم من مصر وفقاً للقانون الدولي هو الذي طرد من وطنه. وكذلك الأمر مع اللاجئ العراقي والسوري. ومن يبحث عن حل منصف للاجئين، فأفضل حل هو بإعادتهم إلى أوطانهم. فيعود اللاجئون اليهود إلى الدول العربية، ويعود الفلسطينيون إلى فلسطين، أي إسرائيل اليوم. فهل هذا ما تريده إسرائيل؟ فنحن تعلمنا في المدرسة أننا كيهود عدنا إلى وطننا الأول القديم، أرض الميعاد. فكيف أصبحنا لاجئين في إسرائيل؟!”. أما، (جدعون ليفي) فقد كتب مقالا تهكميا نشرته “هآرتس” بعنوان “كم وطناً لكم؟” قال فيه: “في حين أصبح التفاوض المكثف مع الفلسطينيين في ذروته ويفترض ان يُحل كل شيء، قدمت اسرائيل فجأة طلبا جديدا وهو أنها لن توافق على اعلان نهاية الصراع من غير تعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية. حُل كل شيء وأصبحنا في نهاية الصراع حقا، فتعالوا الآن ننقض على هدف صغير آخر في الطريق الى السلام العادل الذي نضج وأصبح قريبا. بعد ان علمونا أزمانا متطاولة أن الهجرة من الدول العربية كانت صهيونية تبين فجأة ان الحديث عن موجة لاجئين وبعد ان كنا نعتقد ان اسرائيل قد حطمت جميع الأرقام القياسية الممكنة للوقاحة جاءت هذه الحملة وبينت أنه توجد أرقام قياسية اخرى هي قادرة على تحطيمها. يصعب ان نعلم بماذا نبدأ لدحض المقارنة السخيفة بين مصير اللاجئين الفلسطينيين ومصير اللاجئين اليهود”.
هذا ما تفعله إسرائيل في الأمم المتحدة وغيرها لتجاوز حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض بمحاولة تثبيت حقوق يهودية ضالة وضلالية، فما الذي نفعله بالمقابل سوى تضييع حقوقنا غير القابلة للتصرف.. بالتقصير والانقسام؟!!