خطتا موفاز وباراك: سلام.. أم.. منافسة في سلب الحقوق؟
في القدس المحتلة والضفة الغربية بشكل غير مسبوق، قدم زعيم المعارضة الاسرائيلية (شاؤول موفاز) قبل 3 أشهر تقريبا خطة لتسوية سياسية “قبيحة” نابعة من جوهر كونها خطة توسعية لضم وإلحاق القدس الشرقية، و40% من “الضفة” إلى إسرائيل، وإسقاط حق عودة اللاجئين لنحو 70% من الشعب الفلسطيني إلى ديارهم (والذي كان قد نادى به القرار الدولي 194) فضلا عن جعل القدس عاصمة أبدية موحدة لدولة الاحتلال. أما آخر الكلام القبيح في خطة (موفاز) فقد تجلّى في تأكيدها أن الترتيبات الأمنية ما زالت هي الحاكم الفعلي للعقلية الإسرائيلية: دولة فلسطينية منزوعة السلاح ليس لها جيش يهدد أمن إسرائيل!!!
اليوم جاء دور “وزير دفاع” حكومة الاحتلال (ايهود باراك) ليدلي بدلوه ويؤكد يمينية السياسة في إسرائيل، مقترحا خطة انفصال جديدة (أحادية الجانب) عن الفلسطينيين على غرار ما حدث في قطاع غزة في 2005 في عهد حكومة (آرييل شارون). وبموجب الخطة المقترحة، يتم إخلاء عدد من المستعمرات/ “المستوطنات” المقامة على أراضي الفلسطينيين في الضفة، بينما يجري الابقاء على الكتل “الاستيطانية” الكبرى وبعض “النقاط الحيوية”. وقال (باراك) في مقابلة أجرتها معه صحيفة “إسرائيل اليوم”: “بموجب خطة الانفصال الجديد فإن الكتل الاستيطانية غوش عتسيون ومعاليه أدوميم وأريئيل (يسكن فيها 90% من المستوطنين) ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية. والخطة تقضي باحتفاظ إسرائيل بالسيطرة على مناطق في الضفة تطل على وسط إسرائيل ومناطق هامة للجيش الإسرائيلي، وضمان وجود عسكري إسرائيلي على طول غور الأردن، على أن تقام في “بقية” المناطق الدولة الفلسطينية بعد إخلاء عشرات المستعمرات الصغيرة بحيث يبقى “المستوطنون” الذين لا يرغبون بمغادرة هذه المستعمرات تحت حكم فلسطيني!!!”. ورغم ذلك، يدعو (باراك) إسرائيل الى تبني “المبادرة العربية” ودعوة الدول العربية للمفاوضات وفق هذه المبادرة، على أن يكون المسار الفلسطيني هو المحور الأساسي في المفاوضات، ومن ثم المسار السوري بعد استقرار الاوضاع في سوريا، على أساس الانسحاب من هضبة الجولان مع وضع ضوابط أمنية واضحة تحت رعاية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
رد الفعل الإسرائيلي العام جاء رافضا، جملة وتفصيلا، للخطة “الباراكية”! فمثلا، نقلت وسائل الإعلام عن عضو الكنيست (داني دانون( من الليكود قوله إن “الانفصال الوحيد المطروح هو انفصال وزير الدفاع عن منصبه” أي إقالة (باراك)، وأن “هذه محاولة يائسة من جانب باراك لعبور نسبة الحسم في الانتخابات العامة المقبلة”. كذلك اعتبر وزير الإعلام (يولي إدلشتاين) أن (باراك) يطرح خطته في سياق الانتخابات وأنه “يواصل ارتكاب أخطاء جندي نفر. فبعد أن أيد كارثة أوسلو ونظم الهروب من لبنان (عندما كان رئيسا للوزراء في 2000) وعمل من أجل الانفصال عن غزة التي أدخلت صواريخها مليون إسرائيلي إلى الملاجئ، فإنه مستعد الآن ليشكل خطرا على ملايين أخرى من أجل عبور نسبة الحسم”. وأضاف (إدلشتاين) “على باراك أن يدرك أن دولة إسرائيل عامة والمستوطنين خاصة ليسوا دمى في مسرحيته الساخرة”. من جهته، عقب عضو الكنيست (دافيد روتيم) من حزب “إسرائيل بيتنا” على الخطة بالقول إن “الحكيم يتعلم من أخطاء الآخرين والغبي لا يتعلم حتى من أخطاء ارتكبها بنفسه، وخطة وزير الدفاع المهووسة تمثل بصعوبة خمسة أعضاء كنيست (من حزب “عتصماؤوت” الذي يتزعمه باراك بعد انشقاقه عن حزب العمل) ولذلك فإن علاقتها مع الواقع مثل علاقة حزبه مع الواقع” في إشارة إلى التوقعات بأن “عتصماؤوت” لن يتجاوز نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة.
أما صحيفة “واشنطن بوست” فقد رأت إن خطة (باراك( لا ترقى لمستوى مطالب الفلسطينيين. وذكرت الصحيفة في تقرير لها أن “المستوطنات الإسرائيلية الكبرى تفصل أراضي الضفة وتصادر أراضي مدينة القدس الشرقية. فتلك البؤر الاستيطانية لا تمثل شعوبا معزولة بل هي مجتمعات متصلة تمر عبر الأراضي الفلسطينية وتقضي على التواصل الجغرافي لأراضي دولة فلسطينية مستقلة”. وأضافت: “يسعى (باراك) من خلال ذلك إلى جذب الناخبين من تيار الوسط قبيل بدء الحملات الانتخابية المقبلة”. من جانبها، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن خطة (باراك): “تزامنت مع اعتزام فلسطين رفع مكانتها إلى دولة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة”، وأضافت أن “هذه الدعوة الأحادية غير متزامنة مع الدبلوماسية العامة التي يتبعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخاصة في الوقت الذي ينتقد مكتبه محاولة فلسطين أحادية الجانب لرفع مكانتها في الأمم المتحدة إلى دولة غير عضو”. كما نوهت الصحيفة إلى أن “كثيرين في إسرائيل اعتبروا تصريحات باراك ضعيفة ولا ترقى إلى مبادرة سياسية جادة وقوية، وأنها تستهدف تميزه مع الحديث عن تعديل موعد الانتخابات إلى مطلع العام المقبل بدلا من أواخر 2013”.
ومع عدم تجاهلنا رد فعل السلطة الفلسطينية، الذي جاء كالعادة شاجبا ومنددا، فإننا ندعو السلطة إلى وضع استراتيجية فلسطينية لمواجهة هكذا خطط. وكما قال (نبيل شعث): “إن ما يريده باراك هو فكرته الكارثية القديمة، وفكرة شارون من قبله، بفرض حدود إسرائيلية من خلال الدولة ذات الحدود المؤقتة القائمة على إعادة جزء من الأرض الفلسطينية إلى كيان فلسطيني هزيل دون القدس وبيت لحم وضواحيها ودون نهر الأردن وحوض الأردن (الأغوار والبحر الميت) ودون 10 كيلومترات داخل الحدود الغربية للضفة ودون 90% من الكتل الاستيطانية ودون حقوق في الماء والأجواء وغير ذلك من القضايا المهمة”.
الجميع يعلم أن إسرائيل لن تمنح الفلسطينيين أية سيادة على الأراضي التي تطرح الخطة الانسحاب منها، ولن يسمحوا بقيام دولة مستقلة حتى على هذه الكانتونات، وأقصى ما سيحدث – رغم الرفض الإسرائيلي الكبير للخطة – هو حكم ذاتي فلسطيني موسع ولكن بحدود أرض أقل وسكان أقل!. والخلاصة أن الخطة بشكلها العام هي إعادة تعريف للاحتلال، ومحاولة إسرائيلية جديدة لجر الفلسطينيين إلى مربع المفاوضات العقيمة، ومحاولة لثنيها عن فكرة تقديم طلب عضوية دولة فلسطين بالجمعية العامة للأمم المتحدة، أو هي تحضير لمرحلة ما بعد “عودة أوباما”!