العنصرية الإسرائيلية: الأسباب الجوهرية والجهات المسؤولة
مؤخرا، اعترف رئيس الكنيست الإسرائيلي (رؤوفين رفلين) وهو أحد أبرز شخصيات التيار اليميني الأيديولوجي المتشدد، اعترف بأن “العنصرية المستفحلة في إسرائيل باتت مقلقة”. ولقد جاء قوله هذا في معرض حديثه عن الاعتداء الوحشي، الذي تعرض له الفتى المقدسي جمال الجولاني وكاد يودي بحياته، بعد أن قام 50 شابا وشابة من اليهود في القدس المحتلة بالاعتداء عليه. وفي معرض تحليله لما حدث، أسهب في توضيح الجذور والجهات المتعددة المسؤولة، حقا، عن هذا “الحادث” وغيره، فاضاف: “لأسفي الشديد فإن المؤشرات لهذه الظاهرة كانت واضحة منذ زمن، ونحن، الحكومة والكنيست وجهاز التربية والتعليم مسؤولون عنها. إن ما جرى ليس حدثا عابرا لمشاهد العنصرية العنيفة ضد العرب، فهذه ظاهرة مقلقة في المجتمع الاسرائيلي”. وختم بالقول: “حتى اليوم آمنا أن أحداثا كهذه عابرة هامشية، ولكن يتضح أن الأمر ليس كذلك، ويجري الحديث عن ظاهرة تتحول إلى مشكلة قومية من شأنها أن تشكل خطرا على الديمقراطية الاسرائيلية”!
بعدئذ، تلاحقت التحليلات الغربية (وأساسا الإسرائيلية) التي كشفت أبعادا أخرى وجهات إضافية استخلصت أن معاملة إسرائيل “لمواطنيها الفلسطينيين” كافية في حد ذاتها لإلقاء الشكوك على “مصداقيتها” الديمقراطية. ففي دراسة نشرتها صحيفة “كاونتربنتش” الأمريكية بعنوان “لا مساواة داخل الخط الأخضر: الفلسطينيون المنسيون”، يقول الكاتب (باتريك أو. ستريكلاند): “ثمة شكل سُمّي من الشوفينية يتجسد على نحو خاص في فكرة أن فلسطينيي 1948 طابور خامس يستطيع تقويض مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية”. ويضيف: “يتم دفع الصفة اليهودية لإسرائيل على حساب أكبر أقلية قومية، أي على حساب هؤلاء (الفلسطينيين المنسيين). وهذا على وجه التحديد هو السبب في أن إسرائيل لم تكن في أي يوم دولة ديموقراطية موثوقة أبدا”.
تتزايد الشواهد على أن العنصرية باتت نهج حياة في الكيان الصهيوني. ومما يؤكد ذلك الاقتباس المثير للقشعريرة على لسان أحد الفتيان المعتدين على الفتى المقدسي: “من ناحيتي فليمت، فهو عربي”!. لقد أضحت كراهية العرب والرغبة في موتهم مذهبا فكريا يجتاح بتزايد أوساط المجتمع الإسرائيلي. فحسب استطلاع أخير “لصندوق فريدريخ أبارت” تبين ازدياد مواقف الجمهور، والفتيان بخاصة، تطرفا واتجاهها الى الاتجاه القومي الديني الى حد ان 46% منهم يؤيدون سلب المواطنين العرب حقهم في ان يُنتخبوا للكنيست. وفي مقال افتتاحي، كاشف وشامل، في صحيفة “هآرتس” بعنوان “عقيدة الفتك بالفلسطينيين” تقول “أسرة التحرير”: “لقد روى شهود عيان بان المشاغبين اليهود واصلوا ركل الفتى المصاب، حتى عندما كان يتلوى على الارض، بينما يطلق رفاقهم هتافات عنصرية ضد العرب. وشاهد عشرات الاسرائيليين ما جرى دون أن يحركوا ساكنا. عدم مبالاتهم خطيرة فقط بقدر أقل من عدم مبالاة منفذي الفتك. كما أن شجب رئيس الوزراء والشخصيات العامة (الإسرائيلية) الاخرى لا يمكنه ان يشوش حقيقة ان للفتك سياقا سياسيا واجتماعيا عميقا. المشبوهون بالفعلة هم أطفال وفتيان. كراهية العرب تلقوها من محيطهم: ربما من البيت، بالتأكيد من جهاز التعليم ومن الساحة السياسية. عندما يصبح التحريض ضد العرب هو السلامة السياسية، عندما يدعو الحاخامون الجمهور الى التصرف بعنصرية تجاه العرب ولا يقالون من مناصبهم، عندما تسن الكنيست قوانين ترتفع فوقها أعلام القومية المتطرفة والعنصرية، فلا يمكن ان ننزل باللائمة فقط على الفتيان، الذين ترجموا كل هذا الى لغة العنف. هؤلاء، وآخرون قبلهم على مدى السنين، يتحملون هم ايضا المسؤولية”. من جانبه، كتب (عمير فوكس) في مقال بعنوان “تربية عنصرية” يقول: “هذه الواقعة التي حصلت بفعل أيدي شاذة تعبير عن زيادة العنصرية والقومية في المجتمع الإسرائيلي بعامة وبين الشباب بخاصة، والادعاء أنها حصلت بأيدي شاذين بلا شرعية ادعاء للسذاجة. ان ريح العنصرية والقومية تهب في السنين الاخيرة من جهات مركزية ذات سلطة في المجتمع الإسرائيلي ومنها الأذرع الحاكمة”. وأضاف يقول: “حينما يكون هذا هو مزاج تشريع القوانين والنقاش في الكنيست، فماذا يمكن ان نتوقع من الشباب بالضبط؟. وليس ذلك في الكنيست وحدها”. وختم: “ينبغي ألا ندعي السذاجة. ان اتجاه التطرف بين الفتيان الذي يبلغ حد العنف العنصري حقا، هو ثمرة الشجرة المسمومة التي ترعاها الكنيست سواء كان ذلك متعمدا أو ابتغاء للغوغائية المجردة. ان هذه الحلقة المفرغة، التي يتم التعبير فيها عن العنصرية الطاغية لدى الجمهور بسن قوانين غوغائية تمنح العنصرية الشرعية والتعزيز، يجب فصمها”.
وفي مقال بعنوان “حتى اليهودي الطيب يكره العرب”، يقول (تسفي برئيل): “(أدبيات)” الكراهية الإسرائيلية للعرب سبقت الاحتلال. سلسلة كتب الاطفال (داني – دين) لشرغا جفني مليئة بالتعابير والتصاوير، التي وضعت أساسا ممتازا لكراهية العرب. سلسلة “ميكرؤوت يسرائيل” التي تربى عليها مئات آلاف اطفال إسرائيل، مثيرة من حيث مادة “التحريض” الكامنة فيها. لا يوجد الزام حقا في تفصيل كل مضامين الكراهية للعرب، التي غذونا بها وطورناها في أنفسنا، كي نعد مرافعة دفاع سامية للمجرمين من القدس الذين “بالإجمال” فعلوا ما وجهتهم التربية وفكرة “الموت للعرب” لعمله”. وأضاف: “هذه فكرة ستبقى جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية اليهودية – الإسرائيلية حتى لو انتهى الاحتلال غدا. إذ أن “الموت للعرب” ليس تعبيرا عن كراهية “عادية” للآخر، أو مجرد شعار لعصابات “شارة ثمن”. هي لا تشبه كراهية الاجانب او الخوف من المسلمين اللذين يميزان العنصرية الاوروبية. كراهية العرب هي جزء من اختبار الولاء للهوية تقدمه الدولة لمواطنيها اليهود: اليهودي الطيب يكره العرب. الإسرائيلي المخلص يترك العربي يموت، لأنه “هو عربي”.
إسرائيل، التي تبتز الغرب وتغذي تأنيب ضميره بسبب ما اشتهر باسم “الهولوكوست”/ المحرقة النازية، تشكل اليوم حالة أبارتايد/ استعمارية/ إحلالية/ عنصرية استسلمت لها الذهنية الغربية. فالدولة الصهيونية هذه، رغم كل شيء، لا زالت تتمتع بنفوذ لا مثيل له في البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي، وكذلك في مراكز صنع القرار في أوروبا وإن كان بدرجة أقل.