التحولات العربية: مشكلة لإسرائيل؟

يقول (ديفيد إغناتيوس) في مقال نشرته “الواشنطن بوست”: “مهما تكن الأشياء الأخرى التي يمكن أن تقال عن الثورات العربية، فإن الواضح هو أنها تشكل مشكلة بالنسبة لإسرائيل. ولكن، ما مدى سوء تلك المشكلة، وما الذي ينبغي أن تفعله الحكومة الإسرائيلية من أجل درء المخاطر؟”. لكن يبقى السؤال: هل “الثورات العربية” مصدر إلهام أم خوف للإسرائليين؟ فرغم أن التوجه العام الأولي مع اندلاع “الثورات” أظهر ارتياحا إسرائيليا لما يحدث في العالم العربي، ذلك أن “الربيع العربي” – كما نظروا إليه – يجعل الدول العربية في حالة من الانكفاء، فكل دولة عربية منشغلة بمشاكلها الداخلية. وفيما يلي أبرز المواقف لعدد من الساسة والمحللين الإسرائيليين الذين امتلأت الصحف الإسرائيلية بمواقفهم.

من بين المتفائلين، نسبياً، وزير الدفاع (إيهود باراك)، الذي يعتقد بأن “دول الربيع العربي وعلى رأسها مصر سوف تتحرك نحو تكوين نسخة من “النموذج التركي” للديمقراطية الإسلامية: باردة تجاه إسرائيل، لكن واقعية وبراغماتية في الوقت نفسه”. ويعتقد (باراك) بأن “إسرائيل لا يمكن أن تنتظر العاصفة حتى تهب، وإن عملية التغيير ماضية لا رجعة فيها، وربما تكون حميدة في نهاية المطاف فيما تنضج المجتمعات العربية”. من جهتها، كتبت الباحثة المستقلة (ناتاليا سيمانوفسكي) تقول في مقال بعنوان “هل الربيع العربي فرصة لإسرائيل”: “تنظر الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية إلى التغييرات الكاسحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بخشية وقلق. ورغم أن الطبيعة البشرية تقتضي أن يخاف المرء من المجهول، إلا أن التطورات الأخيرة تمثل نافذة فرصة لإعادة تشكيل المنطقة. لا يعني ذلك القول أن المخاطر التي تواجه إسرائيل وهمية، إذ يتوجب على إسرائيل اليوم أن تتعامل مع نتائج سقوط أكبر حليف لها في المنطقة، وهو الرئيس حسني مبارك، ومواجهة حكومة منتخبة جديدة تُعتبر مواقفها حيال القضايا المتعلقة بالدولة اليهودية غير واضحة في أفضل الحالات”.

على صعيد مختلف، سجل الكاتب والشاعر الإسرائيلي (يتسحاق لاؤور) رأيه بقوله: “كنت سعيد جداً عندما بدأت الثورات في تونس ومن ثم مصر. تعلمت في حياتي أن لا أطور توقعاتي. خمنت، ولم أخطئ، بأن الغرب لن يسمح للثورات بالامتداد إلى ما بعد المصالح الاقتصادية التابعة له”. وفيما يتعلق بتأثير الثورات العربية على دولة إسرائيل وسياستها، يعرب (لاؤور) عن اعتقاده بأن “الثورات، خاصة في مصر، تشكل رادعا لإسرائيل وأن مصر الجديدة سوف تغير كل طابع الصراع العربي – الإسرائيلي”. ويوضح المحلل (أليكس فيشمان) فى مقال فيقول: “كل شيء مفتوح والمستقبل غير واضح المعالم وعلى إسرائيل أن تكون مستعده لكل السيناريوهات”.

أما البروفيسرو (يوسي يونا) محاضر الفلسفة في قسم التربية بجامعة “بن غوريون” فيعتبر أن “بداية الثورات أعطته شعوراً بأن هنالك أمراً مهماً، درامياً وإيجابياً يحصل”. هو يرى في هذه الثورات “إمكانية لتغيير إيجابي، للديمقراطية والعدل الاقتصادي”. ويضيف “لم يزعجني أو لم أفكر كثيراً بالسؤال كيف ستفيدنا الثورة؛ كنت سعيداً من احتمال أن الثورة ستحسّن أوضاع الشعوب العربية من حولنا. ومن منظور آخر، أؤمن بأن في حال مارست الشعوب العربية الديمقراطية أكثر، والمساواة الاقتصادية أكثر، هذا الأمر سوف يكون جيدا لنا أيضاً”. وبشأن تأثير الثورات العربية على سياسة إسرائيل، يقول (يونا): “أخيراً، أصبح فيما بيننا من هو مستعد للاعتراف، وأقول هذا بسخرية، بأننا نحصل على إلهام من العالم العربي. لا يوجد لدي أدنى شك أن الاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل تأثرت بما يحدث عند جيراننا”. ومن جهة ثانية يرى (يونا) أنه يوجد من المتشائمين الذين يفضلون التعاون مع الديكتاتورين الفاسدين، الذين يقبلون بالوضع الراهن على أن تقام ديمقراطية في العالم العربي لأنهم “يخافون أن تزيد هذه الديمقراطيات حالة العداء لإسرائيل”. ويختم: “على إسرائيل استغلال ربيع الشعوب وإظهار كيف يمكن بمقدورها أن تشارك في تأسيس إطار جيوـ سياسي جديد يعمل من أجل مصالح كافة الشعوب في الشرق الأوسط. هذا يعني إطلاق مبادرة سلام على أساس دولتين لشعبين”. وفي نطاق متمم ولو مختلف، تتحدث (عنات مطر) المحاضرة البارزة في قسم الفلسفة في جامعة تل أبيب، والناشطة اليسارية عما أسمته “آلة التخويف الإسرائيلية” من الربيع العربي: “إسرائيل لم تندمج ولا ترغب أن تندمج مع العالم العربي”. وترى (مطر) أنه يسهل للقيادة الإسرائيلية أن “تظهر على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، كما أن المفاوضات مع الطغاة يناسبها أكثر من مد اليد الحقيقية لشعوب المنطقة”. وتضيف أستاذة الفلسفة أن” المصالح الضيقة هي التي تتحدث في مثل هذه المفاوضات، وأن العمل على علاقات مع شعوب المنطقة كان يلزم التغلب على عدم التعاطف عملياً مع إسرائيل، لكنها (إسرائيل) لم تكن جاهزة وما زالت غير جاهزة لذلك أيضا”. وتمضي (مطر) أبعد من ذلك إذ تقول: “من الواضح أن السياسيين الإسرائيليين، بأغلبيتهم، خائفون من الربيع العربي. إذ أبحروا منذ اليوم الأول في الإنذارات والمخاوف من سيطرة الإسلام المتطرف على الثورات”.

إسرائيل تشعر بقلق بالغ إزاء ما يجري في العالم العربي. بل هناك رؤية سوداوية يتبناها مسؤولون يعتقدون بأنه لسنوات قليلة قادمة، وفيما يحاول “الاخوان المسلمون” تعزيز قوتهم وسلطتهم، فإنهم ربما يظهرون بعض التعاون، دون أن تنسى إسرائيل نفسها أن رفضها كدولة يبقى يقع في صميم أيديولوجية الجماعة، وأن أي تسويات مع إسرائيل ستكون مجرد تحركات تكتيكية أكثر من كونها سلاماً حقيقياً. وفي هذا السياق، قال الناشط اليميني المتطرف المنتمي لحزب الليكود الحاكم (موشيه فيجلين): “إن عودة إسرائيل إلى سيناء أصبحت لا مفر منها. إن ما حدث في مصر هو استمرار للثورة الإسلامية في إيران، الإسلام المتطرف سيهيمن على المنطقة كلها، والواقع يحتم على إسرائيل العودة إلى سيناء”. أما الكاتبة (سامادار بيري) فكتبت تقول: “عندما يتلون القصر الرئاسي في مصر بلون إسلامي فإنه يوم أسود بالنسبة لنا”.