“الكلام الجميل” و”غير الجميل” في خطة (موفاز) للسلام
قدم زعيم المعارضة الاسرائيلية (شاؤول موفاز) خطة لتسوية سياسية ربما يتوجب مناقشتها كونها تصدر عن شخصية مهمة لها تاريخها العسكري وراهنها السياسي. فهو قائد سابق لهيئة الاركان، ووزير “الدفاع” الأسبق الذي أوصى بالمقارفات المعروفة خلال انتفاضة الأقصى، وصاحب عملية “السور الواقي” واجتياح جنين وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما انه الآن رئيس حزب “كاديما” حزب المعارضة الرئيسي منذ 2009، الذي دخل مؤخرا في ائتلاف مع حكومة (نتنياهو) سرعان ما انسحب منه، والذي طالما روج لنفسه باعتباره مع تسوية تقوم معها “دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل”. فما هي هذه “الدولة” عنده؟
في مقدمة خطته، القديمة/ الجديدة، التي نشرت على الموقع الالكتروني لحزبه “كاديما”، يقول (موفاز): “بحثت ودرست في السنوات الستة عشر الماضية طرقا مختلفة لتحقيق تسوية سياسية مع الفلسطينيين. ومنذ اتفاق أوسلو وحتى اليوم، نحاول الوصول، من دون نجاح، إلى تسوية. وفي ظل عدم وجود حلول، تتبع إسرائيل حلولا أحادية الجانب من أجل إيجاد واقع أمني مريح لها. لكن الحلول الأحادية ليست بديلا عن مسيرة سياسية شاملة تدفع باتجاه إنهاء الصراع”. حتى الآن: كلام جميل!! ويضيف (موفاز) أن التقييمات تشير إلى أن الوقت لا يعمل لصالح إسرائيل، وهناك عدة مخاطر تتطلب من إسرائيل مواجهتها هي: “إيران في الطريق إلى امتلاك قنبلة نووية، الجهات المتطرفة، الميزان الديموغرافي”. كلام جميل أيضا!! لكنه يركز على ما يسميه “الفكرة السياسية” وهي: “المصلحة العليا لإسرائيل بالمحافظة على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، وعليه فإن الانفصال عن الفلسطينيين ضرورة ملحة وحيوية”. كلام جميل نقولها للمرة الثالثة!! غير أن (موفاز) سرعان ما يؤكد: “من أجل المحافظة على المصالح الأمنية، نقترح إقامة دولة فلسطينية مستقلة وخالية من السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع الاستمرار في المفاوضات حول قضايا الحل النهائي”!! يا سلام على هكذا سلام!!
إذن، الخطة قائمة على ترسيم الحدود بشكل تدريجي والبحث في الترتيبات الأمنية في الدرجة الأولى وصولاً إلى إقامة “الدولة الفلسطينية المستقلة”(!!!) خلال أربع سنوات كحد أقصى. وحسب الخطة فأنها ستطبق علــــى مرحلتين، “المرحلة الأولى: تقام دولة فلسطينية على 60% من مساحة الضفة (إضافة إلى قطاع غزة). وتضم الدولة 90% من السكان الفلسطينيين وإيجاد تواصل إقليمي لأراضي الدولة الفلسطينية، وخلالها لا تخلى أي “مستوطنات”. ومع إقامة “الدولة الفلسطينية” يعترف بسيادة إسرائيل على الكتل “الاستيطانية” في الضفة ويعترف بأن الحدود الشرقية لدولة إسرائيل هي حدود قابلة للدفاع عنها. أما المواضيع الأخرى: المياه والطاقة البيئية والبنى التحتية والمعابر والجمارك، فإن (موفاز) يدعو إلى تشكيل طواقم فرعية لها مع بداية المفاوضات، وكل اتفاق يتم التوصل إليه ينفذ في الحال. وتقر الكنيست قانون الإخلاء والتعويض في العام الأول من المسيرة السلمية مع الفلسطينيين. أما المرحلة الثانية: تنفيذ الاتفاق في القضايا الجوهرية وإنهاء المطالب والنزاع وفتح ممر للتسويات السياسية والسلام الإقليمي: القدس، المحافظة على الوضع القائم القاضي بحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة مقابل إجراء مفاوضات لإيجاد حلول خلاقة في إدارة الحياة اليومية. حل مشكلة اللاجئين، تقام هيئة دولية تركز على إيجاد حلول وإعادة توطين لمن لن يعود إلى حدود دولة إسرائيل”.!!
ويختم (موفاز) متحدثا عن ما أسماه مخاطر ممكنة: “أنا لا أتجاهل عددا من المخاطر المنوطة في تطبيق برنامج إقامة دولة فلسطينية قبل الانتهاء من كل قضايا التسوية النهائية، فنتوقع موقف فلسطيني يعارض إقامة دولة لا تعبر عن تحقيق حقوقه، خاصة لأنه من وجهة نظرهم الآني سيتحول لثابت، ومن أجل الطمأنة بالنسبة لهذه المخاوف الفلسطينية، علينا أن نلتزم بإنهاء المفاوضات في المواضيع الجوهرية في فترة زمنية محددة وباتفاق على منظومة مصالحة بين الطرفين، كل هذا وفقاً لتطبيق المسؤولية المفروضة على الجانب الفلسطيني، ليس الزمن فحسب هو الذي سيحدد، وإنما التنفيذ على أرض الواقع”. أما المشكلة الثانية التي يمكن أن تواجه الفلسطينيين في تطبيع الخطة حسبما قال: “انعدام الثبات من ناحية الحكم في الجانبين الفلسطينيين يمكن أن يؤدي إلى سيطرة حماس، وإسرائيل كدولة ديموقراطية سوف تحترم كل قيادة فلسطينية يتم انتخابها وستقوم بالتفاوض معها وفي حال رفضت حماس التفاوض مع إسرائيل، سوف تحتفظ إسرائيل لنفسها بحق العمل بكل طريق من أجل حماية امن مواطنيها – من يرفض مصافحة يدنا الممدودة ليعلم أنه يمكن لهذه اليد أن تضرب أيضا”. وقال (موفاز): “علينا الاستعداد أيضاً لسيناريوهات سلبية، مثل تطور دولة فاشلة إلى جانبنا، تصب كل سخطها باتجاه إسرائيل، أو سيطرة حماس بالقوة على الضفة الغربية، لذلك ستكون المسيرة تدريجية ومراقبة، ترافقها مشاركة دولية عميقة وضمانات عربية إقليمية، وفي حال لم تساعد هذه الجهات على جلب الثبات والاستقرار للمنطقة، سوف نضطر أن نتصرف بمفردنا إزاء هذه التهديدات انطلاقاً من حقنا بالدفاع عن النفس”.
أما الكلام غير الجميل في خطة (موفاز) فنابع من جوهر كونها خطة توسعية لضم وإلحاق القدس الشرقية، و40% من الضفة إلى إسرائيل، وإسقاط حق عودة اللاجئين لنحو 70% من الشعب الفلسطيني إلى ديارهم والذي كان قد نادى به القرار الدولي 194. كذلك، ثمة كلام إضافي غير جميل: فالقدس عاصمة أبدية موحدة لدولة الاحتلال رغم علم (موفاز) وغيره من الإسرائيليين أن أي حلول جزئية تستثني القدس لن ترى النور باعتبار “زهرة المدائن” خطا أحمر. أما آخر الكلام غير الجميل، الوارد إلينا من خطة (موفاز) فيؤكد أن الترتيبات الأمنية ما زالت هي الحاكم الفعلي للعقلية الإسرائيلية: دولة فلسطينية منزوعة السلاح ليس لها جيش يهدد أمن إسرائيل.. وكأن جيوش العرب والعجم تهدد أمن إسرائيل!!!