تجنيد المتدينين اليهود.. إلى أين يقود إسرائيل؟!!

“اليهود المتدينون يغيرون اسرائيل إلى فاتيكان للشعب اليهودي وهم يريدوننا أن نعيش طبقا للتقاليد والشريعة اليهودية حيث تكون هناك تفرقة ضد المرأة والأقليات. وكل من هو ليس بيهودي يعامل مواطنا من الدرجة الثانية، ولا يمكننا أن نوافق على ذلك”. حينما صرحت (شولاميت ألوني) وزير التربية في حكومة (اسحق رابين) مطلع التسعينيات بهذا، هاجمها المتدينون وأجبروا (رابين) على نقلها من الوزارة.

“الحريديم” هم الفرقة الأبرز والأظهر من بين اليهود المتدينين في إسرائيل، فهم المسؤولون عن المؤسسة الدينية (رئاسة الحاخامية). وقد دأب “الحريديم” على انتقاد الشخصيات والرموز العلمانية في الجيش والمحكمة العليا في السياسة. ومع ذلك، أصبحت الأحزاب الدينية لازمة لكل حكومة اسرائيلية وجزء من الإئتلاف فيها. وهي تشترط قبل أن تشارك في الحكومة ما تريد، وأحيانا تهدد بالإنسحاب أو تنسحب من الإئتلاف الحكومي بعد المشاركة، وهو ما حدث أكثر من مرة حيث يخلق ذلك أزمة بل وأحيانا تسقط الحكومة. واكبر هذه الأحزاب الدينية اليوم وأهمها وأكثرها تأثيرا هو حزب “شاس” وزعيمه الروحي هو الحاخام (عوفادياه يوسف).

لقد منح رئيس الوزراء الأول (ديفيد بن جوريون) قلة من طلبة المدارس الدينية لم يكن عددها يتجاوز المئات إعفاء من أداء الخدمة العسكرية لما كان يُخشى وقتها من اندثار نمط حياتهم، ولكن العدد توسع اليوم ليمثل عُشر سكان إسرائيل. وبحسب الصحافة الإسرائيلية، “في العام 2010 لوحده، حصل 63 ألفاً منهم على إعفاء من الخدمة العسكرية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبة المنخرطين في الجيش لا تتعدى 15% مقارنة مع 75% من باقي اليهود في إسرائيل”، ولذا تعهد رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) ومعه زعيم حزب “كاديما” (شاؤول موفاز) بتمرير قانون ينهي الإعفاءات العسكرية المنتشرة على نطاق واسع لدى طلبة المدارس الدينية. فمع الوقت، تحولت قضية “الاعفاءات العسكرية” إلى معضلة سياسية حيث أدى إصرار التيارات الدينية على رفض القانون إلى تأجيج المشاعر فيما بات يشبه الحرب الثقافية داخل إسرائيل. وفي هذا تقول (كارين برويارد) في مقال بعنوان “العسكرية في إسرائيل.. أزمة خدمة (المتدينين)”: “يرى المحللون أن الوقت لاحتواء الصراع قد فات، ولاسيما في ظل الاستياء الكبير لدى الغالبية العلمانية في إسرائيل من اليهود المتدينين المعروفين باسم “حريديم”. وعلى رغم ما يبدو عليه الجدل من تركيز على الجانب العسكري، بحيث ينص القانون في إسرائيل على إجبارية الخدمة العسكرية، إلا أن القضية تتعدى ذلك إلى رغبة العديد من الإسرائيليين تقاسم أعباء المواطنة وضمان مشاركة فئة منعزلة تمولها الدولة وما فتئت تتوسع من حيث الحجم والنفوذ”. وفي هذا السياق، يقول )أوري ريجيف)، رجل الدين الإصلاحي المنتقد لمواقف المتدينين المتشددين: “هناك اضطرابات تمتد إلى الجانب الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وتؤثر على روح إسرائيل”، مضيفاً: “نمط حياة المتدينين المتشددين يشكل خطراً على استقرارنا”. وفي الآونة الاخيرة، قال رئيس اللجنة النيابية المختصة بتشجيع الشباب اليهودي المتدين على الانخراط في صفوف الجيش، النائب (يونتان فلسنير) من حزب “كاديما”: “إن توجه الشباب اليهودي المتدين للتملص من الخدمة العسكرية ينذر بحدوث أزمة ستعصف بالمجتمع الإسرائيلي وتصيب بالضرر علاقته بالجيش في حال لم تتم معالجة المشكلة بأسرع وقت”. وتأتي تصريحات (فلسنير) في أعقاب نشر نتائج دراسة قام بها الجيش الإسرائيلي، تدل على “أن واحدًا من أصل أربعة شبان ممن يدعون للخدمة العسكرية يفضل التوجه للدراسة في المدارس الدينية”. وأشارت الدراسة إلى أنه “حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، كان واحد من كل عشرين شابًا يهوديًا يتوجه إلى المدارس الدينية بدلًا من التجند في الجيش”. وتدل المعطيات على أنه منذ التسعينيات حدث تغيير واضح في توجهات الشباب اليهودي المتدين، حيث “طرأت زيادة مستمرة في عدد الذين يطالبون بالإعفاء من الخدمة العسكرية من أجل دراسة العلوم الدينية”.

على صعيد أكثر خطورة، فإن تبوء المتدينين المواقع القيادية في الجيش الإسرائيلي ينذر بتهديد جدي وخطير للنظام السياسي الإسرائيلي، حيث تحظى التعاليم الصادرة عن المرجعيات الدينية والحاخامات باحترام أكبر لدى الضباط والجنود المتدينين من الأوامر التي تصدرها قيادة الجيش، ويطلب الحاخامات من طلابهم من الضباط والجنود  رفض الأوامر الصادرة عن قادتهم العسكريين في حال تعارضت مع تعاليم التوراة والتلمود. ولعل الذي يدلل على  حجم قلق العلمانيين من تغلغل المتدينين في الجيش، هو ما قاله الجنرال (شلومو غازيت) الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية بأن “الجنود المتدينين يذكرونني بالولاء المزدوج للضباط في الجيش النازي”.

 

كذلك، هناك علاقة واضحة بين تعاظم تأثير المتدينين على الجيش وبين ميله لاستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين. فزيادة ثقل المتدينين الكبير في المواقع القيادية في الجيش يفتح أبواب الجيش أمام غلاة المتطرفين من الحاخامات، الذين اشتهروا بإصدار الفتاوى التي تدعو إلى قتل المدنيين الفلسطينيين، للتنظير لأفكارهم. وفي العامين الماضيين، شهد الجيش الإسرائيلي تحركا من قبل الجنود المتدينين بحيث أخذوا يعلنون على الملأ التزامهم بتطبيق قرارات الحاخامات والتوراة في حال تناقضت مع الأوامر العسكرية. وفي الإطار نفسه، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في منتصف حزيران/ يونيو، أن ضابطات في الجيش الإسرائيلي وجهن إلى رئيس الحكومة نتنياهو رسالة شديدة اللهجة طالبن فيها بعدم تجنيد الشبان الحريديين بشكل يؤثر على طابع جيش الاحتلال، مثلما أكدن على: “إننا نراقب بقلق، عملية التطرف الديني التي تجتاح الجيش”.

لقد كشفت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية أن المجتمع الإسرائيلي يعيش انقساما كبيرا بحيث يشكل طرفا الخلاف: اليهود العلمانيون المتحررون واليهود المتشددون “الحريديم”. وقد أكدت الصحيفة أن “الحريديم” يحاولون تطبيق تعاليم الدين اليهودي بتشدد كبير، مشيرة إلى أن “قضية الإكراه الديني الذي يمارسه الحريديم في إسرائيل بدأت في الازدياد خلال الفترة الأخيرة”. فهل تنجح خطة (نتنياهو)/ (موفاز) عبر تجنيد اليهود المتدينين إلى إعادة دمج هؤلاء في المجتمع الإسرائيلي؟! وفي حال فشل هذه الخطة، ربما يصبح التساؤل الأكبر: إلى أين يقود كل هذا إسرائيل؟!!