أما آن الأوان للعودة إلى منظمات الامم المتحدة؟!

بعد أشهر من الأخذ والرد بين الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) ورئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، ها هو الأول يستعد للعودة الى الامم المتحدة بعد تلقيه ردا سلبيا من الجانب الاسرائيلي على الرسالة التي بعثها للثاني، والتي أكد فيها الأول أنه “نتيجة لسياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لم يعد للسلطة الفلسطينية أي سلطة وأصبحت دون ولاية حقيقية في المجالات السياسية والاقتصادية والجغرافية والأمنية، أي أن السلطة فقدت مبرر وجودها”، ومحذرا من ان “السلطة لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها اذا ما استمر هذا الوضع”. ورغم هذا، ما زال التعنت الإسرائيلي يتصاعد مع رفض كل محاولات السلطة الفلسطينية التي قدمت تنازلات، أو حتى المحاولات الأمريكية والأوروبية و”اللجنة الرباعية” على حد سواء. فالحكومة الإسرائيلية الحالية ما زالت ترفض الإجابة على عديد الأسئلة حول القضايا المركزية التي تعطل استئناف عملية التسوية، وفي مقدمتها وقف الاستعمار/ “الاستيطان” (الذي تصاعدت وتيرته مؤخرا، وخاصة في مدينة القدس ومحيطها) والاعتراف بحدود 1967، والالتزام بإطلاق سراح الأسرى.

وبعيدا عن كون الرسالة الفلسطينية هدفت في الأساس الى وضع المسؤولين الاسرائيليين امام مسؤولياتهم حيال عملية التسوية، أو أنها الفرصة الاخيرة، أو حتى كما اعتبر البعض أنها “محاولة استجداء من السلطة لانقاذ نفسها من المأزق الذي وصلت إليه”، فقد بات من الحكمة الآن العودة إلى استراتيجية التوجه الى الجمعية العامة ومجلس الامن ومؤسسات الامم المتحدة الاخرى، سعيا وراء عضوية فلسطين الكاملة في المنظمة الدولية، وليس الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فما أكدته الرسالة آنفة الذكر أن العلاقات الفلسطينية/ الاسرائيلية لا يمكن ان تستمر كما في السابق، فضلا عن تطور في الأحداث جسيم. فالعالم يشهد مخاضا عسيرا يأتي في طليعته “الحراكات العربية” التي تؤثر على تطورات المشهد الفلسطيني والإسرائيلي وحتى الإقليمي على المدى القريب. ففي ظل هذا المخاض، باتت إسرائيل أكثر عزلة من أي وقت مضى، متوجسة مما ستواجهه في المستقبل. كما يجب أن لا ننسى أن توجه منظمة التحرير الفلسطينية بطلب الانضمام إلى الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2011 شكل حدثا مهما ومحاولة لوضع معادلة جديدة لآليات حل الصراع وفك جمود عملية التسوية بعد أعوام طويلة من المفاوضات العبثية.

في كلمته عشية الذكرى الـ 64 للنكبة، أكد الرئيس (عباس) أن “المساعي الفلسطينية في الأمم المتحدة ستتواصل سواء للحصول على دولة كاملة العضوية أو كدولة غير عضو في الأمم المتحدة”، مضيفا “إنه كان بالإمكان الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لولا الضغوط التي مورست على عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لكن مساعينا ستتواصل للحصول على حقنا المشروع سواء كدولة كاملة العضوية أو كدولة غير عضو في الأمم المتحدة”. وعلى الرغم من أن المعركة الدبلوماسية التي رافقت تقديم الطلب في أيلول/ سبتمبر الماضي، سواء من الطرف الفلسطيني الذي حاول إقناع بعض الدول بالتصويت لصالح القرار، أو من الطرف الإسرائيلي الذي سعى إلى إجهاضه بدعم من الولايات المتحدة، فقد استطاع الفلسطينيون حشد تأييد شعبي لخطوتهم هذه. وتأسيسا على ذلك، ولجني الثمار، لا بد من خطوات سريعة، وإلا فستشعر إسرائيل بالانتصار بسبب تعرقل هذا المسعى مع استمرارها في سياسات فرض الأمر الواقع على الأرض، خاصة في ظل الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية وانشغال أوروبا بمشاكلها الاقتصادية الفادحة، ناهيك عن انشغال العالم العربي بـ “الحراكات” التي تجتاحه.

“لقد تزايدة قناعة المجتمع الدولي بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتحمل مسؤولية انسداد أفق عملية التسوية برفضها الوقف الشامل للنشاطات الاستعمارية/ “الاستيطانية” والتفاوض على أساس حدود 1967، وأنه من العبث التفاوض على الحدود في حين يعمل الاحتلال على رسم وفرض الحدود التي تلبي أهدافه التوسعية وعبر طرح فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة التي رفضناها ونؤكد مجددا على رفضها”. إن كل ما سبق هو كلام الرئيس (عباس) نفسه في ظل تعنت إسرائيلي صريح وواضح، مع وجود شعب عازم على المضي قدما نحو الاستقلال وإنهاء الاحتلال، وإحقاق الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير، وتجسيد إقامة دولة فلسطين المستقلة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم (التي شردوا عنها منذ 64 عاما) وفق قرار الأمم المتحدة 194، فما الذي يريده الرافضون للتوجه الفلسطيني هذا إذن!!! ومنظمة التحرير الفلسطينية (الموحدة فيما نرجو) هي القادرة أن تبقي شعبها في دائرة الأمل، وأن تثبت بأنه في حال فشل قرار بعينه فإن لدى صانع القرار الفلسطيني قرارات أخرى بديلة. لذا، على صانع القرار الفلسطيني أن يتذكر بأنه على الرغم من فشل منظمة التحرير لإصدار قرار العضوية في أيلول/ سبتمبر الماضي نتيجة لعدم اكتمال النصاب القانوني، إلا أنها نجحت في إبراز قدرتها على فتح طريق وقنوات جديدة لعملية التسوية مع قدرتها على جمع دعم عربي ودولي للقضية الفلسطينية.

الخطوة المطلوبة الآن، فيما أجمعت عليه سائر القوى الوطنية الفلسطينية، هي التمسك بقرارات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما يتصل بعدم العودة إلى أي لقاءات أو مفاوضات قبل وقف “الاستيطان”، وطالما أنه ليس ثمة مرجعية واضحة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وضرورة عودة “منظمة التحرير” إلى الاستراتيجية الوطنية الموحدة الجامعة بكل عناوينها، والمطالبة بمؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة يلزم حكومة الاحتلال الإسرائيلي على الانصياع لتطبيق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.

ختاما، كان من المحبذ لو جرى تبني السلطة سياسة شاملة ودائمة للتعامل مع الأمم المتحدة ومنظماتها وأجهزتها المختلفة سواء قبيل أو بعيد الحصول على عضوية (اليونسكو) التي مثلت دفعة كبيرة لمثل هذه الجهود الفلسطينية، خاصة وأن العالم منشغل الآن بمشاكل أخرى ربما يراها أكثر أهمية: تبعات “الحراكات العربية” وعلى رأسها الأحداث في سوريا، والملف النووي الإيراني، وهي مشاكل تجعل القضية الفلسطينية تبدو “معركة جانبية” لا وقت لها الآن في مجلس الأمن الدولي. وقطعا، هذا هو بالضبط ما لا يريده أي منا.