عن الاستراتيجية الإسرائيلية في”النكبة المستمرة”
تقوم فكرة “النكبة” في الأساس على مقارفتي سلب الأرض وطرد المواطنين الفلسطينيين، سواء كما حدث في 1948 أو 1967، عبر “ترانسفير” إرهابي واضح، أو ما بات يسمى اليوم “ترانسفير ناعم” من خلال تطبيق قوانين عنصرية فاشية تدريجية ضاغطة هدفها إجبار الفلسطينيين على مغادرة بلادهم. والكيان الصهيوني الدولة الدخيلة، يسعى بوسائل عديدة إلى ذلك الهدف بسياسات وقوانين تتلخص في: “أبارتايد” عنصري/ احلالي/ استعماري/ “استيطاني”. والمقصود هنا، أن النكبة لم تحدث مرتين (1948 و 1967) بل هي سياسة مستمرة تتجلى في فكر اليمين الإسرائيلي المتطرف.
في الجانب الآخر من المعادلة، ما زال أكثر من 5 ملايين فلسطيني منزرعين في أرضهم التاريخية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ومدن وبلدات وقرى داخل ما يسمى “الخط الأخضر”. وتؤكد الأرقام حقيقة هذا الأمر. فقد بلغ عدد الفلسطينيين في العالم مع نهاية 2011، حوالي 11.2 مليون نسمة، منهم 4.2 مليون في فلسطين الـ 67، و1.37 مليون في فلسطين 48، والباقون في الشتات فيما كان العدد الاجمالي 1.37 مليون نسمة في 1948، وهذا يعني أن عدد الفلسطينيين في العالم قد تضاعف عدة مرات منذ النكبة.
بالمقابل، تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن عدد المستعمرات/ المستوطنات في نهاية العام 2011 في الضفة قد بلغ 474 موقعا. أما عدد المستعمرين فقد بلغ (518974) نهاية 2010. ويتضح من البيانات أن 50.6% من المستعمرين يسكنون في محافظة القدس حيث بلغ عـددهم حوالي (262493) مستعمرا منهم (196178) في القدس الشرقية، وتشكل نسبتهم إلى الفلسطينيين في الضفة حوالي 20 مستعمرا مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس حوالي 68 مستعمرا مقابل كل 100 فلسطيني، الأمر الذي يؤشر على حجم استهداف القدس.
تتجسد استراتيجية “النكبة المستمرة”، إسرائيليا، من خلال مصادرة أراض، قمع، تحريض عنصري، مناهج تعليم تلغي الآخر (أي الفلسطيني والعربي)، أحداث وممارسات عنصرية (أفرادا وجماعات) بل أيضا من قبل الشرطة الإسرائيلية نفسها، متواكبة مع نعوت وألقاب ضد الفلسطينيين من نوع: “قنبلة موقوتة”، “طابور خامس”، “الغرباء”، “خطر استراتيجي”، “ارهابيون”، “متخلفون”، “غير مخلصين ولا موالين للدولة”، إضافة إلى “فتاوى” دينية يهودية تحلل عقابهم وتسعى لتهميشهم، مع قضاء متحيز، وقوانين عنصرية في الكنيست من نوع: “المواطنة مقابل الولاء”، “قانون النكبة”، “التحريض”، “لجان القبول”، “ربط حق العمل بأداء قسم الولاء”، “طرد المرشدين السياحيين الفلسطينيين”، وأخيرا وليس آخرا نظام “أبارتايد” على أرض الواقع.. والمحصلة فاشية عنصرية غير معهودة في التاريخ. وفي السياق، من المتوقع أن يصل طول جدار الفصل العنصري، بناء على بيانات “وزارة الدولة لشؤون الجدار والاستيطان”، نحو 757 كم يمر منها ما نسبته 92% داخل أراضي الضفة. وتشير التقديرات إلى أن مساحة الأراضي الفلسطينية المعزولة والمحاصرة بين الجدار وما يسمى “الخط الأخضر” قد بلغت حوالي 733 كم2 أي حوالي 13% من مساحة الضفة، منها حوالي 348كم2 أراض زراعية، و110كم2 مستغلة كمستعمرات وقواعد عسكرية، و250كم2 اعتبرتها إسرائيل غابات ومناطق مفتوحة، فيما يعزل الجدار نهائيا حوالي 53 تجمعاً يسكنها ما يزيد على ثلاثمائة ألف نسمة، وتتركز أغلب التجمعات في القدس بواقع 27 تجمعا يسكنها ما يزيد على ربع مليون نسمة. وبالإضافة الى ذلك، يحاصر الجدار 165 تجمعا سكانيا يقطنها ما يزيد على نصف مليون نسمة. وفي غور الأردن، الذي تشكل مساحته ما نسبته 29% من إجمالي الضفة، تسيطر اسرائيل على اكثر من 90% من أراضيه. في المحصلة، يشكل اليهود ما نسبته 52% من مجموع السكان ويستغلون أكثر من 85% من المساحة الكلية للأراضي، بينما تبلغ نسبة الفلسطينيين 48% من مجموع السكان ويستغلون أقل من 15% من مساحة الأرض!
الآن، ومع مرور 64 عاماً على النكبة، لم تحقق الدولة الصهيونية أهدافها بطرد الشعب الفلسطيني وصولا لدولة يهودية خالصة. فرغم ارتكاب العصابات الصهيونية (44) مجزرة في 1948 بدعم بريطاني مطلق، الأمر الذي أدى إلى طرد )850) ألف فلسطيني من أرضهم حتى الخامس عشر من أيار/ مايو من العام ذاته، فإن هؤلاء اللاجئين ينتمون إلى (531) مدينة وقرية فلسطينية، بل إن عددهم بلغ، في بداية العام الحالي، نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، منهم نحو خمسة ملايين لاجئ مسجلون في سجلات الأونروا. وفي هذا السياق، يقول الباحث المختص (نبيل السهلي): “وعلى الرغم من بعض النجاحات في الإستراتيجية الإسرائيلية خاصة في شقها السكاني، فإن الهاجس الديموغرافي سيكون سيد الموقف في قادمات الأيام. فقد أكد الجهاز الإحصائي الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية بلغ حوالي 5.6 ملايين مع بداية 2012، في حين بلغ عدد اليهود 5.9 ملايين بناء على تقديرات الجهاز الإحصائي الإسرائيلي. وتبعاً لمعدلات النمو السكاني السائدة في 2012 بين الفلسطينيين واليهود في إسرائيل، سيتساوى عدد السكان الفلسطينيين واليهود في نهاية 2015، حيث سيبلغ ما يقارب 6.3 ملايين، وذلك إذا بقيت معدلات النمو السائدة حاليا. وستصبح نسبة السكان اليهود حوالي 48.7% من مجموع السكان في فلسطين التاريخية بحلول نهاية 2020، حيث سيصل عددهم إلى نحو 6.8 ملايين يهودي مقابل 7.2 ملايين فلسطيني. وفي 2030، سيصل مجموع اليهود إلى 7.5 ملايين في حين سيصل مجموع العرب الفلسطينيين إلى نحو 10.2 ملايين عربي فلسطيني في داخل فلسطين التاريخية يمثلون نحو 50% من مجموع الشعب الفلسطيني في العام المذكور والمقدر بنحو 20.4 مليون عربي فلسطيني”.
وعليه، ورغم أن النكبة هي من أعظم خطايا الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني على امتداد التاريخ الإنساني، فإننا ما زلنا نلمس في سياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة، وبوضوح شديد، وجود خطط مبرمجة ومعلنة لاستمرار نهج وفكر “النكبة المستمرة” لإقامة إسرائيل يهودية خالصة مئة بالمئة، مع إصرار عنيد من قبل الشعب الفلسطيني على استعادة وطنه التاريخي رغم السياسات الإسرائيلية التي تستهدف تهويد البشر والحجر والشجر علاوة على الثقافة والتاريخ.