قراءات إسرائيلية في صفقة نتنياهو – موفاز

بعد أقل من شهرين على تعهده بعدم الانضمام الى الائتلاف الحكومي اليميني الاسرائيلي، انضم (شاؤول موفاز) زعيم حزب “كاديما” المعارض الى الائتلاف بزعامة رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) معززا سمعته كرجل يغلب مصالحه الشخصية على معتقداته، وهو الذي كان قد أكد قبل توليه قيادة “كاديما” في اذار/ مارس الماضي: “لن انضم ابدا الى حكومة بيبي. لا اليوم ولا غدا” بعد ان وصف (نتنياهو) بالكاذب. وهو الذي كان قد اكد أيضا عندما كان لا يزال عضوا في حزب “الليكود”، انه لن ينشق عن الحزب وكتب الى اعضاء اللجنة المركزية “لا نترك البيت” وذلك قبل أن يتركهم للانضمام الى “كاديما”!!

وبعيدا عن بنود الاتفاق المثير للجدل والتوقعات، وتعهد (موفاز) بالبقاء وحزبه في الائتلاف حتى انتهاء ولاية الحكومة أواخر 2013، والتزامات (نتنياهو) بتبني الحكومة، حتى نهاية تموز/ يوليو المقبل، مشروع القانون الذي طرحه “كديما” ليحل محل “قانون طال” الذي يعفي المتدينين اليهود المتزمتين (الحريديم) من الخدمة العسكرية الإلزامية، وجه نواب المعارضة في الكنيست انتقادات لكل من (نتنياهو) و(موفاز) معا على ما أسمته الصحافة الإسرائيلية اتفاق “الصفقة السرية”. فالنائب (نيستان هوروفتش) من حزب “ميرتس” اليساري قاطع كلمتي (نتنياهو) و(موفاز) خلال مؤتمرهما الصحافي المشترك قائلا: “كسرتما حاجز العيب. هذه رشوة بكل معنى الكلمة، هذا خزي وعار. إنها أعفن مناورة سياسية في تاريخ إسرائيل. رئيس الحكومة فقد البوصلة والضمير ورئيس المعارضة اليائس أعلن إفلاسه بكل المفاهيم”. واعتبرت زعيمة “ميرتس” (زهافا غالؤون) الاتفاق “مناورة سياسية دنيئة”، وقالت إن “ائتلافاً من 94 نائباً (من أصل 120) هو ديكتاتورية تقريبا، وسيتيح لنتنياهو تمرير أي قانون يرغب به الآن”. من جانبها، رئيسة حزب “العمل” المعارض (شيلي يحيموفيتش) التي توقعت الاستطلاعات أن يسجل حزبها انتصاراً كبيراً في انتخابات مبكرة، اعتبرت الاتفاق “معاهدة الجبناء، وليس التحول المتتالي في مواقف نتنياهو وموفاز سوى التحول الأسخف في تاريخ إسرائيل السياسي”. وتابعت، في صفحتها على موقع فيسبوك، “مع ذلك، فإن دفن “كديما” بشكل نهائي يتيح لنا فرصة مهمة ونادرة لقيادة المعارضة”. وبالنسبة لحزب “يش عتيد” (يوجد مستقبل) الجديد، الذي توقعت استطلاعات الرأي أن يحوز نصف مقاعد “كديما” الحالية في انتخابات مبكرة، فقد قال مؤسسه الصحافي (يائير لبيد) “إن ما حصل يعكس السياسة القديمة المتعفنة والقبيحة التي تفضل الكراسي والمصلحة الشخصية على المبادئ ومصلحة الدولة”. من جهتها، صرحت (كتلة التجمع الوطني الديمقراطي في الكنيست) أن “انضمام “كاديما” لحكومة “الليكود” ستقوي اليمين وأجندته وسيطرته بالكامل على الكنيست وأدائها وتشريعاتها العنصرية، وأن الائتلاف الحالي لن يضع الصراع العربي- الإسرائيلي على رأس سلم أولوياته، ولن يمنع نتنياهو من الاستمرار في مخططاته الاستيطانية”. وأضافت الكتلة: “أن نتنياهو يحتاج لحكومة وحدة وطنية من أجل تعزيز إمكانيات الحرب ضد إيران، مما يعني أن توسيع الائتلاف الحكومي ما هو إلا توسيع للتوجه الحربي للحكومة الإسرائيلية”. وفي السياق ذاته، رأت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الاتفاق جعل من (نتنياهو) أحد أقوى رؤساء الوزراء في إسرائيل منذ قيامها، وأحد أذكى السياسيين الذين عرفتهم الساحة الإسرائيلية، بعدما ضمن لنفسه سنة ونصف من البقاء في الحكم من دون عمليات ابتزاز، وبما يمكنه من القيام بخطوات دراماتيكية في المجالات المدنية، والسياسية أو الأمنية. ورجحت صحيفة “هآرتس” أن يبدأ “موفاز ونتنياهو بتوجيه تلميحات في الفترة القريبة حول التحديّات التي تواجه إسرائيل للإيحاء بإمكانية شنّ هجوم على إيران بهدف تبرير انضمام موفاز إلى الحكومة”، واصفة كل ذلك بـ “الفكاهة الكبيرة”.

وفي مقال بعنوان “عقد الزوجية” يقول الكاتب (بن كاسبيت): “هذا هو الزمن لأن نقول شيئا مبدئيا: إذا ما أوفت حكومة الوحدة الهائلة، المناهضة للديمقراطية هذه، حتى ولو وعدا واحدا من وعودها: قانون طل، طريقة الحكم، المسيرة السلمية، لكان هذا يستحق. تغيير طريقة الحكم الكريهة والمجنونة عندنا هي حاجة وجودية. وكان ينبغي لنتنياهو أن يفعل ذلك منذ بداية ولايته وكانت (لفني) ستوافقه وتدخل إلى ائتلافه ولكنه فضل الحفاظ على تحالفاته التاريخية”. ويختم: “اليوم تبلورت طغمة عسكرية من ثلاثة خريجي الوحدة الخاصة: بيبي، باراك، وموفاز، ستدير الدولة. فلا يوجد اليوم معارضة هامة في الكنيست. وسائل الاعلام ضعفت وتتم السيطرة عليها تدريجيا. ديوان الموظفين مقرب من نتنياهو، وزير العدل هو المستشار العائلي، المستشار القانوني للحكومة كان محامي العائلة، التهديد الكامن في غابي اشكنازي يرد بكل طريقة ممكنة، كل من يحاول فتح فمه (يوفال ديسكن – رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي السابق “الشاباك”، مائير دغان – رئيس الموساد السابق) ينال على الفور هجوما مدفعيا ثقيلا. والان يريدون ان ينتجوا مراقب دولة مجند. بالفعل إسرائيل تجف”.

هذا إسرائيلا. أما فلسطينيا، وبحسب (يوسي بيلين)، فإن (موفاز) صاحب موقف واضح حيث “يقترح تسوية مرحلية تحدد حدودا وترتيبات امنية تمهيدا لاتفاق دائم بعد ذلك يقوم على حدود 1967 مع تبادل اراض بقدر متساو، ولا يستطيع أن يبيح لنفسه ان يكون جزءا من حكومة كل ما تقوله منذ ثلاث سنين هو أنها لا تشترط شروطا مسبقة للتفاوض وأنها قامت بما لديها ولا يجب عليها أي مسار سياسي لأن الفلسطينيين يشترطون هذه الشروط”. فيما يرى آخرون، أغلبهم فلسطينيون، أن الحكومة الجديدة هي حكومة حرب بامتياز نظرا لتشكلها من وزراء عسكريين يتمتعون بالإجرام الدموي، ما يدل على ان الحكومة تعيش في حالة إرباك كبير، وربما حالة حرب نظرا للتغيرات الإقليمية في الوطن العربي بعد ما يسمى “الثورات العربية”، وما يؤكد ذلك استدعاؤها لخمس كتائب من قواتها العسكرية على الحدود المصرية. كذلك، وكما يقول محللون إسرائيليون، فإن التحالف بين (نتنياهو) و(موفاز) أساسه خوف الأول من سيطرة المستعمرين/ “المستوطنين” على حزبه ومن سيطرة ليبرمان وحزبه على الكنيست والحكومة، وخوف الثاني من انهيار حزبه فى الانتخابات المقبلة، مع ترجيح عدد من المحللين والسياسيين وكبار قادة الجيش والمخابرات السابقين أن يكون هدف التحالف التمهيد لضرب إيران.