السيناريو الذي ترتعد منه فرائص العالم الغربي
يتجسد السيناريو الذي ترتعد منه أجهزة المخابرات العالمية في احتمال استعمال “القنبلة القذرة” التي يمكن صنعها بسهولة وتكون آثارها مدمّرة توازي قنبلة “الدمار الشامل” النووية. وقد تنبأت تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية في 2002 بأن “السؤال ليس هل من الممكن أن يحدث هذا “الكابوس المريع” (القنبلة القذرة) أم لا، بل متى سيحدث!”. والمكانان المتوقعان لهذا “الكابوس” هما: “طرف جزيرة مانهاتن” حيث يقع “وول ستريت” – أكبر منطقة تجارية في العالم، والمكان الثاني: “تل أبيب”.
لقد أجرت أميركا تجربة علمية لمعرفة مستوى الأضرار الناجمة عن “قنبلة قذرة” تحتوي على خمسين باوند من المتفجرات محمّلة بمادة (cesium – 137) المشعّة إذا تم تفجيرها في مانهاتن، فوجدوا أن الغبار المشعّ سيغطي الجزيرة التي يسكنها الملايين، وأن الغبار المشعّ لن يقتل فوراً الكثير من الناس ولكن من يبقى في (منهاتن) لمدة أطول سيكون مصيره الموت جراء مرض السرطان. وقد أكدت التجربة العلمية أن “القنبلة القذرة” ستكون بمثابة “سلاح معطّل شامل” يقلب المنطقة المنكوبة إلى مكان غير صالح للسكن لمدة طويلة جداً. وقد أكدت التجربة أن عملية التنظيف لمنطقة مثل (مانهاتن) مغطاة بغبار ذرّي مشعّ هي عملية مستحيلة تقنياً ومالياً، وأن هذه الحقيقة العلمية تحتّم التخلّي كلياً عن المنطقة المنكوبة التي سيصبح سعرها التجاري أقل من الصفر. في هذا السياق، أدلى الدكتور هنري كيلي – رئيس الفدرالية للعلماء في أميركا – بشهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في 2002 قال فيها: “على الملايين من الناس التخلّي كلياً ومغادرة المنطقة المنكوبة فوراً الذي سيسبب ذعراً شاملاً مسعوراً. أما إيجاد المكان الفوري الذي عليه استيعاب الملايين المهجّرة التي ستحتاج إلى كشف طبّي أيضاً ستكون فوق طاقة الولايات المتحدة ولا يمكن تنفيذها كلياً أبداً”. ومنذ هذه الشهادة المخيفة، بدأت وسائل الإعلام الأميركية بتخيل ما يمكن أن ينتج من أضرار “القنبلة القذرة”.
إن خطر “القنبلة القذرة” ليس خيالا بل هو خطر حقيقي. وهناك أمثلة عديدة تبرهن على هذه الحقيقة: (1) في 1995، استعمل ثوار الشيشان “قنبلة قذرة” في موسكو ولم يفجروها مع محتوياتها المشعّة المخزّنة بمادة (cesium – 137) وسرعان ما تم الاتصال بمحطة تلفزيونية روسية لأجل بذل المساعي لتفكيك تلك القنبلة التي أراد بها ثوار الشيشان إرسال تحذير خطير إلى المسؤولين الروس. (2) جرّب عملاء “القاعدة” شراء مواد مشعّة من السوق السوداء في السودان من إنتاج جنوب إفريقيا في 2003 لكن العملية فشلت. وفي السنة ذاتها، أعلنت محطة BBC من لندن “بأن خطط “القاعدة” لصنع “قنبلة قذرة” قد بلغت مرحلة متقدمة لم تكن منتظرة”. و”إن “كتب التدريب” التي أنتجتها “القاعدة” تحتوي بالكامل طريقة تصنيع القنابل القذرة وكيفية استعمالها التي وجدتها قوّات الحلف الأطلسي في قواعد للقاعدة في أفغانستان”. (3) قدّم المحققون التابعون للأمم المتحدة تقريراً مفصلاً ذكروا فيه “أن المواد التي تصنّع منها “القنابل القذرة” يمكن الحصول عليها بسهولة في دول الاتحاد السوفياتي السابق المملوء بمادة (Cesium Chloride) المنسية في كثير من الأماكن العامة التي يمكن الوصول إليها بسهولة من قبل المنظمات الإرهابية”. (4) وقعت حادثة تلويث إشعاعي غير مقصودة في البرازيل عندما سرق تاجر خردة برازيلي مواد إشعاعية من مستشفى تم إغلاقه في أحد المناطق. وكانت هذه المادة الإشعاعية في حجم أصغر من ولاعة سجائر فيها مادة (Cesium Chloride) التي تناثر منها الغبار الإشعاعي عند قطعها، فأصيب مئتي شخص بسبب التلوث بطريقة مباشرة، مات منهم أربعة وتم دفنهم في توابيت من الرصاص التي غمرها الإسمنت من جميع الجوانب. كما أخذت عملية التنظيف للطرقات والعمارات وإزالة التربة وقتاً طويلاً”.
لقد وصلت عقارب ساعة “الكابوس المخيف” إلى الدقائق الأخيرة التي قد تقع فيها “واقعة” كبرى مدمّرة ستهدد أمن دول عديدة تؤدي إلى تحطيم الدولة الصهيونية التي أصبحت رهينة نظام استعماري “أبرتهايدي” يحركه فكر تكفيري يهودي أصولي يقوم حثيثا بتهويد فلسطين التاريخية وعلى رأسها القدس الشريف. وفي المقابل، تجتاح موجة سونامية أصولية إسلامية كل الانتخابات البرلمانية في العالم العربي. وبذلك، أصبح لمنظمة “القاعدة” مجال للسباحة في بعض جزر محيط واسع أصولي حيث تنشر فكرها التكفيري الداعي إلى إبادة “الحلف الصليبي اليهودي الجديد”. وتزداد خشية مراقبين أجانب وإسرائيليين من أن الصراع بين القوى التكفيرية الصهيونية الحاكمة في إسرائيل وبين القوى التكفيرية الأصولية التابعة للقاعدة سينتهي بإبادة أحد الطرفين أو كليهما معاً. فإن بقيت “عملية السلام” في الشرق الأوسط عملية لتضييع الوقت بهدف إتاحة الفرصة – صهيونيا – لأجل تهويد فلسطين التاريخية بالكامل والتي ستسفر عن “ترحيل الفلسطينيين” من فلسطين فإن معركة الإبادة آتية حتماً.
إن أساس كل فكر تكفيري يظهر في إقصاء/ إبادة من يخالفه. غير أن المواجهة بين فكر تكفيري وبين فكر تكفيري مضاد (كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط) سيجعل المنطقة عرضة لحرب ذرية محدودة. لقد أصبح أمام القاعدة فرصة غير مسبوقة للتغلل والسيطرة على خلايا (أو أكثر) داخل الأحزاب السياسية التي سيست الدين الإسلامي بالرغم من تحريم الإسلام المطلق لتسييس ذلك الدين. ومن المحتمل أن تؤدي هذه الحقيقة إلى تطوّر جديد في صنع الصواريخ الموجهة إلى المدن الإسرائيلية كردة فعل على تهويد القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذه الصواريخ الجديدة التي قد تأتي للرد على عملية التهويد القائمة ستكون مشبعّة بمواد إشعاعية قد تجعل بعض المدن الإسرائيلية مناطق خالية من سكانها. فالفكر التكفيري الأصولي الصهيوني الذي يريد “تسفير الفلسطينيين” من فلسطين التاريخية سيتصادم حتما مع الفكر التكفيري الأصولي التي تنادي به منظمة “القاعدة” التي أيضا تريد “تسفير كل اليهود” من فلسطين التاريخية. والسؤال الذي يطفو على السطح الآن: بعد أن ماتت العملية السلمية ودفنت في بؤرة المستعمرات الصهيونية التكفيرية، ترى أي من قادة/ كوادر الفكرين التكفيريين سيسبق غريمه ويبلغ هدفه بتسفير الآخر من فلسطين التاريخية؟ هذا هو “الكابوس” الذي ترتعد منه فرائص الكثيرين في العالم.