نتنياهو.. “حرباء سياسية” متلونة ومتقلبة؟

“بنيامين نتنياهو قومي يميني، رافض للحقوق الوطنية الفلسطينية، ورجعي متشبث للغاية بالوضع الراهن. ولأن القومية فيها نزعة متأصلة للتوجه نحو التطرف، فإن نوعية نتنياهو ليست استثناءً. لديه نظرة انتقائية واعتقادا ذاتيا بانه على حق بخصوص تاريخ دولته، وهو مدفوع بعدم الثقة والاحتقار، إن لم يكن الحقد المباشر، تجاه العرب عامة والفلسطينيين خاصة. وهذا العداء هو الخيط المركزي الذي يجري في خطاباته العلنية وكتبه وسياساته كرئيس للوزراء”. ما سبق، خلاصة ما يراه، بشأن (نتنياهو)، البروفيسور (آفي شليم) أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اكسفورد، الذي أضاف في مقالة له قبيل لقاء الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) الأخير مع (نتنياهو) في واشنطن: “نتنياهو لا يؤمن بالتعايش السلمي. وهو يرى علاقات اسرائيل مع العالم العربي على أنها صراع دائم، وكفاح لا ينتهي بين قوى النور وقوى الظلام. وهو يعتقد أن الاستبداد والعنف والإرهاب هي الحقائق الثابتة في الحياة السياسية لكل الدول العربية”.

اليوم، بعد انهيار عملية التسوية، واشتداد قوة الدعوة إلى محاربة إيران، لم يعد (نتنياهو) يتردد في تشبيه وضع إسرائيل في المحيط العربي المعادي لها بوضع اليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية. وقد تجلى هذا الأمر في خطابه الأخير في مؤتمر “إيباك” مما جعل افتتاحية “هآرتس”، التي حملت عنوان “القتل والموت”، تقول: “لم يتردد نتنياهو في أن يشبه بفظاظة اسرائيل اليوم لوضع يهود اوروبا في الكارثة. ولتتبيل خطابه باحدى تلك الحيل التي يستحبها، امتشق صورا لرسائل يفهم منها تشبه بين تريث الرئيس اوباما في الهجوم على ايران ورفض الرئيس روزفيلت قصف سكة الحديد الى اوشفتس. ولغرض انتزاع هتافات مستمعيه الأمريكيين، فإن كل الوسائل لديه مشروعة: القتل والموت، التهديد والقسم، التحذير والتوبيخ للعالم باكمله. ليس واضحا ما الذي اراد تحقيقه هذه المرة غير التصفيق: طلب الرحمة؟ تعذيب ضمير العالم مسبقا؟ زرع الرعب فيه نفسه، ام ربما اضرام نار الخيال التشرتشلي الذي يعيش فيه؟ شيء واحد واضح: تعميق الاحساس بالضحية”.

وفي السياق ذاته، وبشأن تكرار استعمال (نتنياهو) لما يسمى “المحرقة اليهودية” استعمالا تلاعبيا وغوغائيا، يقول (أفنير كوهين) في مقال بعنوان “الفرق بين بن غوريون ونتنياهو”: “نتنياهو ليس الأول بين رؤساء حكومة اسرائيل الذي يستعمل المحرقة مبتذلا إياها لحاجات سياسية، فقد فعل هذا مناحيم بيغن قبله وبصورة كثيرة، لكن الفرق عظيم بين بن غوريون وبيغن وبين نتنياهو. فأولا جرب هذان الاثنان، باعتبارهما زعيمين يهوديين في فترة المحرقة، العجز الشامل. وكانت المخاوف من المحرقة عندهما مخاوف حقيقية. ولم يُجرب نتنياهو، منذ أصبح زعيما، الشعور بالعجز اليهودي. وثانيا، استعمل بن غوريون وليفي اشكول وغولدا مئير أيضا، وبقدر لا يستهان به، استعملوا المحرقة من اجل ان يُقسموا ان ما كان لن يكون. وقد تناول الثلاثة جميعا، كل واحد بأسلوبه، تلك المحرقة لتسويغ العمل المقدس في ديمونة. لكن نتنياهو حصل على ديمونة جاهزة”. ويقول (عكيفا الدار) في مقال بعنوان “شاهد واستهتر”: “نتنياهو ليس سياسيا محبوبا ولا حتى صاحب قرار متميز. الكارثة تنجح في التأثير على اليهود. تداعٍ فكري مع الكارثة يساعد على هضم مظالم الاحتلال ويزيد التأييد لاسرائيل. أفكار عن اوشفتس تشوش صور جثث الاطفال الفلسطينيين الذين قتلوا في قصف سلاح الجو اليهودي على غزة. هذا عملي”.

أما (عنار شيلو) فكتب في “هآرتس” مقالا بعنوان “بوتينياهو الاسرائيلي” (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونتنياهو)، قال فيه: “سيكون نتنياهو رئيس الحكومة التالي برغم الاغتيال المركز لكل مسيرة أو أفق سياسي، وبرغم الاحتجاج الاجتماعي الواسع جدا الذي يخالف كل ما يمثله. ان سر نجاح نتنياهو هو مساوئه خاصة. وهو يُنتخب لا لمزاياه بل لمساوئه. ان حب الجمهور لنتنياهو حب نرجسي، فنحن الذين تنعكس صورتنا في المستنقع العكر ونرى أنفسنا وننتخب أنفسنا. نتنياهو حرباء يتلون بلون المحيط. وهو يجسد دور عدة اشخاص في الوقت نفسه. فهو فارس سلطة القانون في مراسم تبديل رئيس المحكمة العليا، وهو التهديد الأكبر لسلطة القانون بسلوكه وسلوك ائتلافه. وهناك نتنياهو خطبة بار ايلان وتجميد المستوطنات، وهناك نتنياهو المؤمن بأنه لا يوجد من يُتحدث معه والذي لا يؤمن بالتخلي عن شبر ارض. وسؤال من هو نتنياهو الحقيقي لا معنى له. فميزته الكبرى، عن سائر ساستنا جميعا، هي أنه لا يوجد أصلا نتنياهو حقيقي. ان نتنياهو يضرب وتر صلفنا من جهة ومخاوفنا من جهة اخرى كما لم يفعل أي سياسي في اسرائيل قط، وليس صدفة انه يكثر من استخدام المحرقة. فالمحرقة هي الخوف الأعظم واشارته الى محرقة ثانية تُعرفنا بأننا ضحايا وتعيد الينا الشعور بالحق الذي فقدناه، فلو لم توجد ايران لوجب ايجادها”.

لقد تساءل (ناحوم بارنياع) في “يديعوت أحرونوت”: “هل نتنياهو، كما تظهر شخصيته هو رئيس الحكومة الذي يسلمه الإسرائيليون صلاحية اتخاذ القرار أن تهاجم إسرائيل إيران أم لا؟”. ولقد جاء الرد على هذا السؤال من (شليم) الذي كتب: “الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو هو اليمين الأكثر عدوانية، والأشد تصلبا من الناحية الدبلوماسية، والأوضح عنصريةً في تاريخ اسرائيل. التركيبة الأيديولوجية لهذه الحكومة الائتلافية تتناقض مع صفقة الارض مقابل السلام مع الفلسطينيين. وهي حكومة قوميين متطرفين هدفهم هو حدود اسرائيل الكبرى بشكل أحادي الجانب. والحكومة منتخبة ديموقراطيا ولكنها مهددة، من خلال وضعها القومية فوق الاخلاقية والشرعية الدولية واعتمادها على القوة العسكرية لإخضاع شعب آخر، مهددة بالانجراف نحو الفاشية. نتنياهو ليس صانع سلام، بل هو سارق اراض يتجاهل حقوق الفلسطينيين. إنه من حوّل ما يسمى بعملية السلام إلى ممارسات عبثية”. ومن جانبها، تختم “هآرتس” قائلة: “التخوف الذي تقشعر له الابدان هو انه في يوم ما سنكتشف جميعنا – بمن فينا هو (نتنياهو) نفسه، بعد أن يكون قد فات الاوان – اننا تحولنا الى رهائن لخطاب تشرتشلي، دون انتصار تشرتشلي”.