في عيون إسرائيلية: “نجاحات” و”بطولات” (نتنياهو)

في أعين كثير من السياسيين والباحثين الإسرائيليين، رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) سياسي متشبث بمعتقداته المتطرفة التي رضعها من “حليب” بيت متطرف. “إنسان” حذر حتى التردد، يسعى إلى استمالة الجميع بمواقف متناقضة بل ويرشي شركاء ائتلافه الحكومي. يحاول صرف نظر الإسرائيليين عن أي فشل يقع به بكلمتين: “التهديد الإيراني”!!! وعند هذه النخبة من الإسرائيليين، (نتنياهو) هذا، متلون، مناور، يرى أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية والجولان ليس عائقا أمام “السلام” بل حاجزا دون الحرب باعتبارهما عمقا إستراتيجيا. لذا فإن مصدر الصراع مرتبط فقط برفض العرب الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وليس باحتلالاتها!!! ويقود (نتنياهو) هذا سياسة موجهة ترمي إلى تصفية معسكر السلام الفلسطيني (بل والإسرائيلي) وتعميق الاحتلال الصهيوني. هذا هو (نتنياهو) من وجهة نظر الإسرائيليين. فهل من مزيد وبخاصة عن سياساته وتكتيكاته؟

مع الفشل الكبير “للقاءات الاستكشافية” بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي احتضنتها العاصمة الأردنية، ظهرت جهود (نتنياهو) وإصراره على معاقبة أي تحرك للفلسطينيين كذهابهم، مثلا، إلى الأمم المتحدة. وفي مقال للدكتور (ألون بن مئير) أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك، كتب يقول: “الرئيس عباس جلس لا يفعل شيئا كوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان شريك نتنياهو في الإئتلاف الحكومي، سوى الحديث عن “عرفتة” محمود عباس (أصبح مثل ياسر عرفات) كعقبة رئيسية أمام السلام. وبدأ نتنياهو بصورة مقلقة جدا ودون خجل، بالإسراع بشكل محموم في بناء المستوطنات كنوع من العقاب ردا على خطوات الفلسطينيين الشرعية. هذه السياسات تخدم فقط في الواقع معاقبة إسرائيل بجعل التوصل إلى حل الدولتين احتمالا يتضاءل تدريجيا ويحوّل إسرائيل إلى شكل دولة منبوذة وعنصرية”. ويعلق: “إنه لمن السخرية أن يخلق أولئك الموالون لنتنياهو قصة نجاح لإنجازاته في حين أن إخفاقاته منتشرة بوضوح… كل هذا مع معارضة نتنياهو أية تحركات لصنع السلام اقترحها الرئيس الأمريكي باراك أوباما”.

لقد قدمت إسرائيل خلال “المفاوضات الاستكشافية” مشروعا لرسم حدود دولة فلسطينية مقبلة حدودها جدار الفصل العنصري، وهو ما لا يمكن القبول به فلسطينيا، حيث عرض المفاوضون الإسرائيليون مبادئهم المتعلقة بالحدود المتطابقة عمليا مع مسار الجدار الذي يضع القدس بأكملها تحت سلطة الاحتلال. ثم إنهم أعلنوا، خلال مفاوضات عمان، أن القدس خارج التفاوض وأن عددا كبيرا من “المستوطنين” يجب ان يبقوا في الضفة. ومع ذلك، وتناغما مع قاعدة جوزيف جوبلز (الإعلامي النازي الشهير) والقائل “اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس”، أكد (نتنياهو) نفسه أن “تصورات السلام مع الفلسطينيين تبدو ضعيفة بعد وصول المحادثات الاستكشافية الى طريق مسدود”، موضحا لحكومته في تصريحات علنية: “وفقا لما حدث عندما رفض الفلسطينيون حتى مناقشة الاحتياجات الامنية لاسرائيل معنا، فان المؤشرات ليست جيدة”، مضيفا أمله بأن “يعود الفلسطينيون الى رشدهم ويستأنفوا المحادثات حتى نمضي قدما صوب مفاوضات حقيقية”!!!.

من جانبه، يسخر (ناحوم برنياع) من (نتنياهو) في مقال بعنوان “دون كيشوت يستطيع ان يستريح”. فقد تناول قطيعة (نتنياهو) مع صحيفة “نيويورك تايمز” ضمن مخططه سد فم كل من يحاول في الولايات المتحدة انتقاد اسرائيل وحكومتها، بعد أن تبين أنه من بين عشرين عمودا صحفيا كتبت عن اسرائيل في الاشهر الاخيرة، انتقد 19 منها (نتنياهو) وحكومته. في هذا السياق، كتب (برنياع): “صب دون كيشوت جهده على محاربة طواحين الريح: فقد رآها في خياله عدوا قويا ماردا يجب القضاء عليه. وقد اعتبر هذا الفارس شخصا رومانسيا وبطلا كان مستعدا ليبذل حياته من اجل حبه ومن اجل معتقداته. ولكثرة الرومانسية ينسى الناس احيانا ان دون كيشوت لم يحارب أشباحا حقيقية بل ما انشأه خياله”. ويختم: ” يستطيع دون كيشوت ان يستريح: فطواحين الريح ستستمر في طحن الريح معه أو مع غيره (نتنياهو)”. وفي مقال آخر بعنوان “عيد الميلاد”، كتب (برنياع) أيضا بأسلوب تهكمي: “يحتفل العالم المسيحي بميلاد يسوع مرة في كل سنة – وكل كنيسة وتقويمها. ونحن نحتفل كل اسبوع من جديد بميلاد بنيامين الذي هو بيبي. في الاسبوع الماضي احتفلنا لأن هذا الولد تبين له وجود شباب التلال؛ ونحتفل هذا الاسبوع لأنه تبين لهذا الولد العنف الحريدي في بيت شيمش. ومن ذا يعلم ماذا سيتبين لهذا الولد في الاسبوع القادم”. ويضيف: “يُطلب الى كل رئيس حكومة ان يرد على أحداث تهيمن على برنامج العمل. واليه تتطلع العيون، وعليه تقع المسؤولية. وفي حال نتنياهو يجري الرد بطريقة عامة على خمس مراحل. المرحلة أ: التجاهل. المرحلة ب: التبين. ويحدث هذا فقط بعد ان ينفجر الموضوع الذي أُهمل بضجة كبيرة. ويكون نتنياهو متفاجئا ويغضب كثيرا. المرحلة ج: أمنيا. نتنياهو يجمع وزراءه وضباطه والموظفين لجلسات طارئة يُمسرح جزء منها – مثل اللقاء مع ضباط الجيش الاسرائيلي في الاسبوع الماضي في لواء منطقة افرايم – وتصور على أيدي مصوري مكتب الصحافة الحكومية وتذاع على أنها مادة دعاية. المرحلة د: “شوفوني”، فديوان رئيس الحكومة يبشر بصوت عال بأن رئيس الحكومة وجه وأرشد وأمر. المرحلة هـ: التلاشي. فحينما ينقشع الدخان يتبين ان توجيهات رئيس الحكومة في جهة والواقع في جهة اخرى”.

“نجاحات” و”بطولات” (نتنياهو) جعلت إسرائيل في المجتمع الدولي أكثر عزلة من أي وقت مضى، وعلاقاتها مع حلفائها آخذة في الإهتراء، وهي تتوعد إيران من جهة وتواجه تهديدات من قبل إيران. كما خلقت إسرائيل الراهنة جوا من الأمن الإقليمي المضطرب الذي طفا بقوة إلى السطح. لذا، نجد أن سجل نتنياهو، بالمعنى الاستراتيجي، عند عدد متنام من المفكرين الإعلاميين والسياسيين الإسرائيليين، سجل كارثي، و”إنجازاته” تسرع بتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة، بعد أن عمل كل ما بوسعه لكي يبيّن بأن العنف وحده هو المجزي. وتماما كما قال (بن مئير): “المطلوب الآن هو رؤية واقعية لإزاحة إسرائيل عن نهجها الحالي المؤدي إلى القنوط واليأس، وأول ما يجب أن يختفي هو عجرفة (نتنياهو) وعناده”.