إسرائيل.. وتزايد معالم “دولة أبارتهايد”

في مقابلة خاصة مع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، قال كبير أساقفة جنوب إفريقيا السابق (ديزموند توتو) الحاصل على جائزة نوبل للسلام “إن الدرس الذي كان يجب أن تتعلمه إسرائيل من المحرقة هو أنها لن تحصل على الأمن بواسطة الأسوار والبنادق، وإن الفلسطينيين يدفعون ثمن المحرقة التي ارتكبها الغرب”، مؤكدا أن “ممارسات الاحتلال الإسرائيلي أسوأ من نظام الابرتهايد في جنوب أفريقيا. فبالإضافة إلى الاحتلال العسكري المباشر، هناك الاستعمار “الاستيطاني” على الأرض”. وأضاف: “الحواجز العسكرية الإسرائيلية تذكرني بفترة الأبرتهايد، إلا أنه لم يكن في جنوب أفريقيا عقاب جماعي، كما لم يتم هدم بيوت بذريعة أن أحد أبناء العائلة مشتبه بـ(الإرهاب)”.

في ظل الممارسات، الرسمية وغير الرسمية، الإسرائيلية على الأرض تم إعلاميا، مؤخرا، تظهير حقيقة أن الإدارة المدنية الإسرائيلية تصدر أنواعا مختلفة من التصاريح التي تسمح للفلسطينيين للتنقل بين الضفة الغربية المحتلة واسرائيل او خارج اسرائيل تصل اعدادها وانواعها الى 101 نوع من التصاريح!!! وذكرت صحيفة “هآرتس” أن التصاريح الأكثر شيوعا هي تلك التي تسمح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل أو في المستعمرات/ “المستوطنات” في الضفة على مدى عقود من الزمن، ومع ذلك فان “هذا النظام خلق نظام تصاريح بيروقراطيا قاتلا. فهناك مثلا تصاريح منفصلة للمصلين الذين يحضرون صلاة الجمعة في الحرم القدسي الشريف في القدس ورجال الدين العاملين في الموقع، ولرجال دين من موظفي الكنيسة. اما التصاريح الطبية فهي تختلف بين الأطباء وسائقي سيارات الإسعاف، وبين موظفي الطوارئ الطبية والطاقم الطبي في منطقة التماس. كما أن هناك تصريح لمرافقة المريض في سيارة إسعاف، وتصاريح منفصلة للسفر لحضور حفل زفاف في الضفة أو السفر الى حفل زفاف في إسرائيل، وأيضا للذهاب الى اسرائيل لحضور جنازة، لقاء عمل، أو عقد جلسة استماع للمحكمة. كذلك ثمة تصاريح مختلفة خاصة بالجدار الفاصل، فمثلا هناك تصاريح للمزارعين للوصول الى حقولهم. وهكذا، على سبيل المثال، هناك تصريح لـ “مزارع في منطقة التماس”، وينبغي عدم الخلط مع تصريح لـ “مزارع دائم في منطقة التماس”. ووفقا لتقرير صادر عن مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والوكالات الدولية العاملة في الضفة فان “ما يقدر بنحو 20% من أيام عمل الفلسطينيين يضيعونها وهم ينتظرون تصاريح من الإدارة المدنية وانتظار عملية الفرز”. ووفقا لمنظمة مراقبة (حاجز ووتش) فان “الشاباك” يستخدم نظام التصاريح لتجنيد المخبرين من خلال السماح للفلسطينيين الذين يتم رفض طلباتهم “لاسباب امنية” وغالبا ما يتم دعوة هؤلاء الفلسطينيين لمقابلة “الشاباك” لمقايضتهم وربط الحصول على تصريح بتقديم معلومات.

النظام الفاشي الإسرائيلي لا يقل قمعا عن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قبل زواله عام 1994 بل هو يتجاوزه قمعا وفتكا إلى درجة أن مخزونه فاض فشمل إسرائيليين يهودا، إضافة إلى استهدافه بشكل أكبر “فلسطينيي48”!!! فسلسلة التشريعات الجديدة التي سنتها حكومة اليمين المتطرف برئاسة (بنيامين نتنياهو) أحدثت عاصفة من الجدل العام في اسرائيل، تحديدا تلك المتعلقة بتقييد حرية الصحافة واستهداف القضاء من خلال سن طريقة جديدة لتعيين قضاة المحكمة العليا، علاوة على قانون تمويل منظمات حقوق الانسان الاسرائيلية، ومشروع قرار يحد من إمكانية تقديم هذه المنظمات التماسات للمحكمة العليا. ويقول (عاموس شوكان) في مقال بعنوان “حكومة نتنياهو تزيل العقبات التي تعترض إنشاء نظام الأبرتهايد”: “حملة حكومة نتنياهو التي تستهدف ركائز الديمقراطية الإسرائيلية والتي ترجمت بسلسلة مشاريع قوانين استهدفت الصحافة والقضاء ومنظمات حقوق الإنسان ما هي الا محاولة لإزالة العقبات الأخيرة التي تعترض طريق نظام الابرتهايد. ان السياسة التي يتبناها نتنياهو تعتبر أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة هم أقل من رعايا يتوجب فعل كل ما يمكن من أجل دفعهم إلى الرحيل والتعاطي مع من يتبقى منهم كمن لا حقوق لهم على الارض وأية مقدرات اخرى أمرا يتطلب إزالة كل العثرات التي قد تعيق تطبيق نظام الابرتهايد وعلى رأسها الصحافة والمحكمة العليا ومنظمات حقوق الإنسان”. واضاف: “إستراتيجية نتنياهو هي استخدام القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين المتبقين في هذه الأراضي الذين لم يطردوا ويجب اتباع سياسة تشجع على الهرب أو تؤدي إلى الطرد سياسة تسلب الحقوق وتحول الذين يبقون في هذه الأراضي إلى أناس لا يبالي أحد بمصيرهم. مواطنون لا يصلون حتى إلى الدرجة الثانية، أناس مثل اللاجئين الفلسطينيين من حرب 48، بل يحبذ أن يصبحوا لاجئين مثلهم ومن لا يتحولون إلى لاجئين يحبذ تحويلهم إلى غائبين”. وختم (شوكان) مقاله قائلا: “التشريعات الأخيرة محاولة لقمع المعارضة والنقد ضد نظام الأبرتهايد وقوننته حتى لو تم ذلك بطريقة غير قانونية وغير شرعية إذ أن المطلوب هو تحويل العمليات غير القانونية إلى عمليات قانونية سواء بتغيير القوانين أو تغيير تفسيرها وفي هذا السياق تندرج حملة التشريعات التي تستهدف وتترافق بهجوم منقطع النظير على المحكمة العليا وعلى منظمات حقوق الإنسان وعلى الصحافة باعتبار هذه الركائز معوقات أمام إنشاء نظام الأبرتهايد”.

لقد وصل الأبارتهايد إلى كل مكان سواء في فلسطين الـ 48 أو فلسطين الـ 67. فعلى سبيل المثال إن كان “للمستوطنين” في الأراضي المحتلة طريق، فعلى الفلسطينيين استخدام طرق أخرى. وهناك نظامان قضائيان أحدهما “للمستوطنين” والآخر للفلسطينيين. ولا يصدر عن المحكمة العليا في إسرائيل أي تشكيك في مبررات الإجراءات الأمنية العسكرية المتخذة ضد الفلسطينيين تحت ذرائع أمنية، فيما يخضع الفلسطينيون لمحاكمات عسكرية وأحكام عرفية بموافقة جهاز القضاء. ومن مظاهر الأبارتهايد كذلك سياسة الترحيل “الترانسفير”، وجدار الفصل العنصري ومصادرة المزيد من الأراضي، وانتهاك حق التنقل. ختاما، يضاف إلى كل أشكال الابارتهايد السابقة، مقارفات يومية قوامها القهر والإضطهاد كالتعذيب والعزل في الزنازين, والإحتفاظ بجثث المتوفين, وغيرها من الممارسات التي تؤكد مقولة (توتو) والتي جوهرها أن إسرائيل دولة أبرتهايد احتلالي استعماري “استيطاني” مهما حاولت – أو قوى الغرب المتصهين – تجميل وجهها القبيح.