منظمة إرهابية إسرائيلية جديدة.. وليدة سياسة رسمية
بحسب تقرير (أوتشا) أي “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، شهد العام 2011 زيادة بنسبة (40%) في المعدل الأسبوعي للحوادث المتصلة “بالمستوطنين” التي تؤدي إلى إصابات في صفوف الفلسطينيين، أو أضرار بممتلكاتهم مقارنة بالعام 2010. فقد ذكر التقرير “أن ثلاثة فلسطينيين استشهدوا بينهم طفلان وأصيب 167 فلسطينيا على يد المستوطنين، وأن نحو 10 آلاف شجرة تعود للفلسطينيين، معظمها أشجار الزيتون، دمرت على يد المستعمرين/ “المستوطنين” ما أدى إلى تقويض خطير للظروف المعيشية لمئات الفلسطينيين”. كما أشار إلى تهجير سكان مجمع ضم (127) شخصا بسبب هجمات “المستوطنين” المتكررة فانتقلت عائلات متضررة للعيش في المنطقتين “أ” (التابعة أمنيا وإداريا للسلطة الفلسطينية) و”ب” التابعة فقط إداريا للسلطة. وخلص التقرير إلى “أن ما يزيد على 80 مجمعا سكنيا فلسطينيا يسكنها ما مجموعه 250 ألف فلسطيني عرضة لعنف المستوطنين من بينهم 76 ألف شخص معرضين لخطر متزايد”.
يرى إسرائيليون ان “المستوطنين” الذين يقومون بأعمال انتقامية تحت شعار (دفع الثمن) هم منظمة يهودية سرية ارهابية تسعى لتغيير الوضع السياسي، وتدفع نحو حرب دينية. وفي هذا يقول الصحافي (روني شاكيد): “من المؤكد ان عمل (دفع الثمن) هو نشاط منظمة ارهابية سرية يهودية تعمل وفق كل معايير التنظيمات الارهابية السرية، والتي من سماتها انتهاج العمل السري، وعدم ترك ادلة او اثر او بصمات وراءهم، وعندهم ايدولوجية، ويعملون كمجموعات، وفي كل مرة يعملون في مكان مختلف”. ومضى يقول: “يعملون على تطبيق ايديولوجيتهم وتغيير الوضع السياسي القائم، والضغط على الحكومة بعدم الاقتراب منهم، واثارة الرعب في قلوب الاسرائيليين من حرب الاخوة في حال طالبوا باخلائهم في المستقبل.. ويشكلون خطرا، ليس فقط بافعالهم بل ايضا بتربيتهم وتثقيفهم للناشئين والشبيبة مما يشكل خطرا على الامن وعلى (الشعب) الاسرائيلي نفسه”. من جانبه، يقول (يوسي ملمان) في صحيفة “هارتس”: “نحن نتحدث عن منظمة يهودية ارهابية، لها ايدلوجيتها وقادتها ونشطاؤها وبرنامجها. وعندما قتل رئيس الوزراء اسحق رابين في 1994، كان هناك شخص واحد وعمل فردي، دعمه البعض بشكل معنوي. لكن هنا منظمة ارهابية بكل معنى الكلمة، وبكل مكوناتها”. وفي هذا السياق، أعلنت منظمة “يش دين” (حق) الاسرائيلية المناهضة “للاستيطان” عن (642) شكوى قدمها الفلسطينيون ضد “المستوطنين” منذ 2005، لكن السجلات تفيد أن 91% من هذه الملفات اغلق، وكان التبرير عدم وجود أدلة او ان الجاني غير معروف!!
مقارفات “المستوطنين” ونشطاء اليمين المتطرف الذين وصلت بهم الجرأة حد قيام نحو 50 منهم بتخريب قاعدة لجيش الاحتلال الاسرائيلي بالضفة الغربية في عملية غير مسبوقة الحجم ضد الجيش. وبروز تنظيم (دفع الثمن) يدل على هذا التصاعد الذي يهدد بجر المنطقة الى دوامة من العنف وتفجير الاوضاع. ويأتي هذا الارهاب مدعوما ومسنودا من الكنيست المتطرف وحكومة اليمين الاسرائيلية عبر سن القوانين العنصرية، التي تسوغ لهؤلاء مواصلة إجرامهم المنظم، وبذلك فإن إرهابهم لا تقع مسؤوليته عليهم فقط بل وعلى عاتق الكنيست والوزراء. من جهتها، سارعت زعيمة المعارضة (تسيفي ليفني) إلى القول: “ان اولئك الذين يقفون وراءها (أي وراء العنف الإرهابي) ليسوا بفئة قليلة بل هم عبارة عن مجموعة من المتطرفين آخذة بالاتساع تسعى لتحويل اسرائيل بالاكراه الى دولة متطرفة وعنيفة خارجة عن القانون”. أما (جدعون ليفي) فقد حذر من تغلغل “المستوطنين” الى مواقع القوة داخل اسرائيل مثل المحكمة العليا ومديرية اراضي اسرائيل، موضحا: “توجت المرحلة الاولى منذ زمن باعتبارها نجاحا يدير الرأس: فقد سيطر المستوطنون على المناطق المحتلة، ويمنعون بقوتهم وببنائهم كل تسوية (عادلة). لكن من اعتقد أنهم سيكتفون بسيطرتهم على الضفة يجدر به ان ينتبه الى المرحلة الثانية من الخطة: فهي في ذروتها وأخذت تسجل نجاحات. فبعد السيطرة المعادية على الضفة تبدأ الآن السيطرة على الدولة. منذ الآن، لن تكفيهم رئاسة مجالس في المناطق. فهم يطمحون حاليا الى تبوأ مواقع القوة في اسرائيل لصياغة صورتهم. انهم يستخدمون الطريقة المجربة نفسها وهي: دونم بعد دونم، وبؤرة (سلطوية) بعد بؤرة، ووظيفة (سلطوية) بعد اخرى. ان من يغمض عينيه الآن عما يجري ينبغي ألا يعجب حينما يستيقظ ذات يوم من عماه ليرى دولة اخرى” أي “دولة المستوطنين”!!.
بل إن موجة الانتقادات وصلت إلى اتهام الحكومة الإسرائيلية “بشرعنة” تنظيم (دفع الثمن). ومن الأمثلة البارزة، تساؤل (شاكيد): “اذا كانت المخابرات الاسرائيلية تقوم باختراقات عند حزب الله وعند حماس لماذا لا تقوم باختراقات عندهم وتقبض عليهم؟”. كذلك تساؤل (ملمان): “لماذا لا يقومون بفرض نظام حظر التجول على المستوطنين مثلما يفعلون مع الفلسطينيين؟ ولماذا لا يقومون بتفتيش بيت بيت، ويقومون بابعادهم، وفرض الاعتقالات الادارية عليهم، وكيف لم تخترقهم اجهزة المخابرات؟”. على أن ما يخيف الإسرائيليين أكثر هو ما عبر عنه (شاي غولدن) في مقال بعنوان “لم نعد أخوة”، حيث كتب يقول: “ها هي مجموعة ارهابيين اسرائيليين تهدد باشعال اسرائيل برمتها وتوريطنا في أرجاء المعمورة في نزاع ديني عنيف مع الاسلام. إن إحراق مسجد أمر خطير على اسرائيل ألف ضعف من اغتيال كل قادة حماس في خطوة ليلية عاجلة واحدة. من يختار احراق مسجد كرد فعل عقابي على اخلاء بؤرة استيطانية غير معني بمعاقبة الفلسطينيين والمسلمين بل من أخلاهم – جنود الجيش الاسرائيلي ودولة اسرائيل. الخطر الذي تأخذه هذه المجموعة الارهابية على نفسها محسوب، ولكنه يدل على نزعة مرضية من حيث السعي الى العنف الذي يولد عنفا أكبر بدلا منه، وصولا إلى انفجار موجة هدامة تشعل كل المنطقة”. ويختم: “دم كل يهودي يصاب الان في ارجاء العالم نتيجة عنف اللا سامية هو في رقابهم. حان الوقت لان تقول دولة اسرائيل بالفم المليء: لستم اخوتنا بعد اليوم”.