الانتفاضة الفلسطينية الثالثة: قادمة؟ مستحيلة؟ أم ماذا؟

قبل نحو ثلاثة أشهر، نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تقريرا جاء فيه أن “الجيش الإسرائيلي لن يكون قادراً على احتواء انتفاضة مدنية في الضفة الغربية، حيث كان الجيش قد أعد خطة شاملة قبل عام لمواجهة مظاهرات مدنية غير عنيفة واسعة النطاق فيما يجري العمل حالياً على إدخال تغييرات في الخطة في أعقاب ما بات يسمى الربيع العربي”. هذا الأمر يعني أن إسرائيل تتوقع (بدرجة من التأرجح) اندلاع نار انتفاضة فلسطينية ثالثة وهي ترسم خططها لقمع هذه الانتفاضة بعيدا عن البؤر الاستعمارية المعروفة “بالاستيطانية”.

صحيح أن تصاعد ما يسمى “الربيع العربي” أكد على أن الجماهير الشعبية المتسلحة بالإرادة والتصميم قادرة على انتزاع أمانيها دون انتظار الدعم أو المساندة من أحد، بل عبر تنظيم نفسها ووحدة صفها واتخاذ قرارها بالمقاومة السلمية (تونس، ومصر، واليمن) دون شعارات كبيرة وخطب رنانة. لكن كثيرين، عربا وإسرائيليين وغربيين، يرون أن الواقع الفلسطيني مغاير. فمع تأزم الأمور مع وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة قتلت المفاوضات، وفي ظل تحيز غربي لإسرائيل، علاوة على ما يبدو “تأرجحا” في موضوع الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني وارتفاع منسوب مشاعر الاحباط تجاهه، تتزايد معطيات عدم إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة. ومن المقالات المهمة على هذا الصعيد مقال بعنوان “انتفاضة فلسطينية جديدة” بقلم (ويندي بيرلمان) نشر في مجلة “فورين بوليسي” حيث حددت عددا من الأسباب التي تؤشر، على عدم إمكانية قيام انتفاضة جديدة. وكانت قد تنبأت بأن “المناورة الدبلوماسية في الأمم المتحدة لن تدفع الفلسطينيين إلى التظاهر على قاعدة أن النهاية لن تكون سلبية بأي حال وستحقق مكاسب، خاصة وأن الفلسطينيين ما زالوا يذكرون الخسائر الفادحة التي تكبدوها في الانتفاضة الثانية”. ثم تطرقت (بيرلمان) إلى الواقع الفلسطيني السياسي، ورأت أن “التفكك السياسي والمؤسسي والإقليمي الذي تعاني منه الحركة الوطنية الفلسطينية اليوم سيحد من قدرتها على وضع هدف وإستراتيجية لتوجيه المقاومة الشعبية.  فالحركات الشعبية تحتاج إلى وحدة وطنية من أجل حشد المشاركة الواسعة التي تُكَون الاحتجاجات السلمية، وإلى حالة من ضبط النفس الجماعي لتجنب انحدار الاحتجاجات إلى أعمال العنف”. كما ذهبت (بيرلمان) للحديث حول ما أسمته “اختلاف التقسيم الجغرافي السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي” ذلك أنه إذا تظاهر الفلسطينيون في المدن الرئيسة بالضفة، لن تراهم إسرائيل ومن ثَمَّ لن تهتم. وإذا قاموا بمسيرات سلمية لنقاط التفتيش الإسرائيلية أو “المستوطنات” عندها ستلجأ إسرائيل للقوة باعتبارهم “معتدون” على “حدودها السيادية”. وفي نهاية مقالها، تركز الكاتبة على سبب تعتبره رئيسيا وهو موقف حركتي فتح وحماس، وترى أنهما “قد ترحبان بالتعبئة الشعبية للضغط على إسرائيل، لكنهما ستذهبان إلى أبعد الحدود لضمان عدم خروج الأمر عن سيطرتهما أو تطوره إلى تحد لهما”.

ورغم المبررات الموضوعية الفلسطينية ومقدار جاهزيتها لصالح نشوب انتفاضة ثالثة سواء من حيث قسوة الواقع وتدهور أوضاعه السياسية، فان هناك أسبابا أخرى، اتفق عدد من الكتاب الفلسطينيين والعرب على أنها مانعة لقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة، نلخصها كالتالي: “وضع قطاع غزة، وعدم وجود قوات احتلال فيها يجنب الاحتكاك بالمظاهرات التي يمكن أن تنطلق”، ثم “التنسيق الأمني العلني بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال في الضفة”، و”ضعف الفصائل الفلسطينية اليسارية وغير اليسارية”. هنا لا بد من الإشارة إلى ما قيل عن سبب “مرتبط بالشعب الفلسطيني” وهو: “خيبة الأمل من الانتفاضات السابقة التي انتهت بنتائج كارثية على القضية الفلسطينية: انتفاضة 1987 انتهت بأوسلو وإفرازاتها، وانتفاضة الأقصى 2000 كانت مكلفة جداً وانتهت إلى تبني إسرائيل خطة الفصل العنصري التي ابتدأت بخطة فك الارتباط عن القطاع ويمكن أن تنتهي بإقامة دولة معازل مقطعة الأوصال ذات حدود مؤقتة لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم”. هذا، فضلا عن أسباب أخرى تأتي في المرتبة الثانية وهي بالمحصلة نتيجة لكل ما سبق، منها ما يثار عن “عدم ثقة الشعب الفلسطيني بقياداته خاصة وأنه بات لها مصالحها وامتيازاتها في الوضع الراهن”، “فتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية تعارض الانتفاضة بل وتعمل على منعها لانه ينظر إليها باعتبارها تحديا لسلطتهم وامتيازاتهم”، “(ازدهار) الاقتصاد الفلسطيني الناشئ الذي ترك آثاره على العديد من الفلسطينيين (سواء سياسيين أو رجال أعمال وحتى الموظفين العاديين) الذين توصلوا إلى قناعة قوامها أن ثمن الانتفاضة الثالثة سيكون باهظا”، “تدهور المعنويات وغياب القيادة التاريخية التي تتولى الانتفاضة”، “نجاح إسرائيل في إضعاف المقاومة الفلسطينية بمختلف أشكالها”.

في المقابل، تجد بين الإسرائيليين من يخشى انفجار انتفاضة فلسطينية ثالثة، فـ (عاموس جلعاد) رئيس مكتب الشؤون الدولية والأمن التابع للحكومة الاسرائيلية حذر من أن “إسرائيل قد تواجه انتفاضة فلسطينية ثالثة في حال اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطينية”، موضحاً “أن مثل ذلك الاعتراف سيعني عزل إسرائيل دولياً والبدء في تظاهرات شعبية غاضبة في الضفة سيكون لها تأثيرات عميقة وغير مرغوبة. وسماح إسرائيل بحدوث ذلك سيعني قيام انتفاضة ثالثة في المناطق الفلسطينية وسيعني أيضاً إعلان حرب من قبل السلطة التي بدأت شن هجوم دبلوماسي واسع على إسرائيل في أيلول/ سبتمبر”. أما المحلل السياسي في “هآرتس” (ألوف بن) فيقول: “الانتفاضة الثالثة حتمية وستندلع في حال اعترفت الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية لأن القرار لن ينفذ من تلقاء نفسه وسيشن الفلسطينيون حربا للمطالبة بحقوقهم السيادية وطرد الجيش الإسرائيلي من أراضيهم”. وخلص إلى أن “الوقت الآن بات متأخرا والعالم ينظر إلى نتنياهو كرافض للسلام وعنيد ويتمنى سقوطه، وهو لن يتمكن من منع الانتفاضة الثالثة، ومثل سابقتيها ستكلف إسرائيل ضحايا أكثر وستقود إلى الانسحاب الذي سعى نتنياهو إلى إحباطه”.

والحال كذلك، نطرح تساؤلا مباشرا على قاعدة “شروط انبثاق انتفاضة ثالثة” على الأقل بمبادرات فلسطينية، فنؤكد على ضرورة المصالحة الفلسطينية على درب تحقيق الوحدة الوطنية، وصولا إلى قرار سياسي يتوحد الجميع على أساسه، متطلعين إلى رؤية سياسية تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها التوافق والبناء الوطني، مع الاستفادة من البعد العربي.. في زمن الربيع العربي.