في ذكرى أربعينية خالد شومان ريادة في الأنسنة.. ريادة في المكننة
عشت مثل النسيم، ومثل النسيم عايشناك! كنت دوماَ رمزاَ لإزاحة العوائق ولم تكن يوماَ عائقاَ في وجه أحد! كل ما فيك وكل ما يصدر عنك، كان يبعث على الراحة! حتى في رحيلك، سعيت من أجل أن تكون بنا “رحيماَ”! كأنك اخترت أن لا تصعقنا، فغادرت بعد طويل تمهيد، بعد طويل “تبليغ”، بعد طويل “إعداد”! ومع ذلك جاء موتك صاعقاَ لكل محبيك! فالبشر – الحقيقيون من البشر – يقتاتون على الأمل، يعيشون على الأمل، ينامون على الأمل، ويصحون على الأمل، بأن لا يغادرهم حبيب! وها قد غادرتنا – يا أبا عمر الحبيب – ولم يغادرنا الألم بفقدك! وضمن ميزات عدة نستذكر عنك بغيابك ميزتين: ريادة في الأنسنة… وريادة في المكننة!
كل ما فيك – وبمعنى خاص – لم يكن له علاقة بالأرقام الجامدة وبالإحصاءات الصلدة والآلات الصماء “الجديرة” برجال الأعمال وأصحاب البنوك! فكل هذه الأرقام وتلك الآلات قمت بتوظيفها إما في مصلحة البشر / الإنسان / الموظف / الأجير، أو هي كانت – على الأقل – بدون صدام معهم أو مع حقوقهم، بل في تناغم فريد ندر أن عرفته مؤسسات “وحش” القطاع الخاص! وفي هذا السياق، صب شلال تبرعاتك السخية سواء في اتجاه العمل الوطني، أو الإنساني، وبالذات الثقافي / الفني مع سيدة “دارة الفنون”: رفيقتك حتى اللحظة الأخيرة… وما وراء اللحظة الأخيرة! وكيف تكون غير ذلك – يا أبا عمر الغالي – يا صاحب الوجه الذي يشع جاذبية، وصاحب الفم الذي يمطر تفهماَ، وصاحب الشخصية التي تبث هدوءاَ ملائكياَ وتبعث في النفوس سكينة المؤمن المتيقن! ومن أين لنا – بعد اليوم – تلك الابتسامة العذبة التي كانت جزءاَ عضوياَ من كل جزء من تضاريس ذلك الوجه الباسم أبداَ! تلك الابتسامة – آه – كم افتقدها! آه كم افتقدك!
… ومرة ثانية، نسجل أن كل ما في “أبي عمر” لم يكن له – بمعنى خاص – علاقة لا بالأرقام الجامدة ولا بالإحصاءات الصلدة ولا بالآلات الصماء! وبمعنى خاص، أيضاَ، كان له شرف الريادة في تأليف وعزف سيمفونية قوامها تآلف وتناغم غير معهود بين الحاضر .. والمستقبل، بين البشر… والآلة، بين الإنسان… والرقم! ورغم انتمائه العمري إلى “الجيل الثالث” في مسيرة البنك العربي، بنك “العروبة الفلسطينية” أو بنك “فلسطين العروبة” لا فرق، فإن “أبا عمر” محسوب – عقلاَ وخلقاَ وأداء – على جيل رابع، وخامس … وسادس… متوغل في المستقبل! ومع أنه انتمى إلى جيل مخضرم واكب عطاء الرائد “عبد الحميد شومان الكبير” رحمه الله، ورافق الباني “عبد المجيد شومان” أطال الله في عمره، فإنه قد امتد في المستقبل محتضناَ المتابع للمسيرة “عبد الحميد شومان الابن” الذي حدثني، بغصة في الحلق وبصوت حزين ودمعة في العين، عن حبه لعمه أبي عمر، وعن تعلقه الذي لا فكاك منه، كائنة ما تكون الظروف، بابن العم “عرق العين” عمر… ليتابعا معا، المشوار!
ومع انك – يا أيها الغالي أبا عمر – مثل النسيم عشت ومثل النسيم عايشناك، فإن ذكرى رحيلك تحمل لنا في جزيئات ذلك النسيم – أشواكاَ تنغز… وتؤلم … وتدمي! ورغم ذلك ها نحن نحرص على تذكرك لكي “نستمتع” بذلك النغز والألم والإدماء من أجل أن نستعيد صورتك، صوتك، ابتسامتك، وسيرتك العطرة، ولو لجزء من الثانية! واليوم – في ذكرى أربعين رحيلك – نتذكرك بقوة… ونتألم بقوة!
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية