استخلاصات إسرائيلية: زوال دولة الكيان الصهيوني؟

من الأسئلة المطروحة عند عدد من المفكرين الإسرائيليين: هل تمتلك دولة الكيان الصهيوني مقومات الوجود والاستمرار؟ وهل هذه الدولة المصطنعة تحمل في داخلها نواة الثبات الذي يهبها سمة الدولة الدائمة؟ بمعنى هل دولة الكيان الصهيوني دولة حقيقية أم غير حقيقية على قاعدة أن ما يميز أصالة الدول هو وجود الشعب الذي تنبت على أرضه الدولة بشكل طبيعي، المتمسك بالأرض والذي لا يفكر بالخروج منها مهما تعاظمت المشاكل بل والمصائب عليه، حتى إن تغير نظام الحكم سواء أكان ديموقراطيا أو ديكتاتوريا. ومن المؤكد أن عددا متزايدا من أهل الرأي في الكيان الصهيوني يعتبرون ذلك الكيان، في الأصل، دولة بلا شعب، ولا أصالة، ولا جذور. وحتى المستقدمون من يهود العالم، ومنذ بدايات قبيل القرن الماضي، لم ينجحوا حتى اللحظة – وفقا لطروحات إسرائيلية وصهيونية – في صناعة دولة حقيقية وذلك لتعدد ثقافاتهم واختلاف جذورهم القومية ولغاتهم.

يعتبر المحامي اليهودي الأمريكي (فرانكلين لام) المختص بالقانون الدولي من أشهر الكتاب والناشطين الذين تنبأوا في كتاباتهم العديدة بقرب زوال إسرائيل. وقد دلل (لام) على ذلك بحقيقة التقارير الرسمية الإسرائيلية التي بينت أن أكثر من نصف اليهود المقيمين في فلسطين التاريخية يودون مغادرة إسرائيل في السنوات القليلة القادمة خاصة إذا استمرت الأوضاع السياسية والاجتماعية على حالها. وبشأن هذه الظاهرة، يؤكد (لام): “هناك نسبة كبيرة من المستعمرين الصهاينة إلى فلسطين التاريخية هي الآن على أهبة الاستعداد لاستعمال حقها الطبيعي للمغادرة. وفي نفس الوقت، هناك مجموعة كبيرة من الفلسطينيين أصحاب الأصول التاريخية في البلاد أصبحوا ضحية التمييز العنصري وهم أيضا الآن على أهبة الاستعداد لاستعمال حق العودة”. ويضيف: “إن الحلم الصهيوني الذي قام في القرن التاسع عشر لأجل استعمار فلسطين لتكون ملجأ آمنا ليهود أوروبا، أصبح حلما فاشلا في القرن الواحد والعشرين. فقد أصبحت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية الملجأ الآمن بنظر الأكثرية من المحتلين اليهود للأراضي الفلسطينية والذين باتوا يودون الهجرة منها (إلى الغرب)”. وفي هذا السياق، يقول الإسرائيلي (جدعون ليفي) في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”: “إذا كان آباؤنا حلموا في الحصول على جواز سفر إسرائيلي للفرار من أوروبا، يوجد الآن بيننا الكثيرون الذين يحلمون بالحصول على جواز سفر ثان يفرون به إلى أوروبا”.

ضمن الدراسات المتكاثرة التي أعدتها معاهد ومؤسسات يهودية وأخرى أمريكية بهذا الشأن، أكدت دراسة مشتركة للجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (“إيباك” – اللوبي اليهودي الصهيوني المتطرف والأبرز في الولايات المتحدة) بالتعاون مع “صندوق الجالية اليهودي الوطني” في ألمانيا أنه “إذا استمرت الحالة السياسية والاجتماعية في إسرائيل على حالها، فإن أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين على استعداد تام لمغادرة إسرائيل”. بالمقابل، أوضح “مركز مناحيم بيغن للتراث” في دراسة حديثة أن “أكثر من 70% من الإسرائيليين تقدموا أو سيتقدموا بطلبات إلى سفارات أجنبية في إسرائيل لأجل الحصول على جنسية أخرى وجواز سفر ثان”. كما أكد باحثون في جامعة “بار إيلان” الإسرائيلية في دراسة لهم “إن أكثر من 100 ألف إسرائيلي يملكون جواز سفر ألماني وإن 7000 يتقدمون سنويا للحصول على مثل ذلك الجواز، وأكثر من نصف مليون إسرائيلي لديهم جواز سفر أمريكي، وربع مليون ينتظرون جوازات سفرهم الأمريكية بعد أن قدموا طلبات الحصول على الجنسية الأمريكية في تل أبيب”. من جهته، يعلق البروفيسور في جامعة “بار إيلان” (جوناثان رينهولد)، ساخرا بالقول: “اليهود سيكونوا أكثر أمانا في طهران من عسقلان في هذه الأيام إلى أن تبدأ إسرائيل وأمريكا بإلقاء القنابل على طهران”!!!

يستخلص (لام) بأن “ثلاثة أجيال إسرائيلية بالفعل لم تنبت جذورا عميقة في الأرض وما زالت فكرة الهجرة من الهجرة تراود خواطرهم”. أما التوتر النفسي الذي أقنع الإسرائيليين بضرورة الحصول على جواز سفر ثان فمرده أسباب عديدة منها أن جواز السفر الأمريكي أو الأوروبي هو “وثيقة تأمين لمواجهة الأيام العاصفة المرئية في الأفق”. فأولا، “الربيع العربي”، حسب محللين إسرائيليين، قد يقضي على “مؤيدي وحماة إسرائيل في الشرق الأوسط”. ويرى هؤلاء إنها “مسألة وقت فقط حتى يكون الربيع العربي حربة النضال ضد الغزاة المحتلين لفلسطين العربية. فما رآه الإسرائيليون ويرونه في ميدان التحرير والميادين العربية الأخرى يقنع بأن المقاومة الفلسطينية والعربية ستتحول إلى “تسونامي سلمي” لن يقف في وجهها سلاح مهما كانت حداثته”. ثانيا: يضيف المحللون الإسرائيليون، “يتنامى الخوف من حرب أهلية قد يشعلها أو يتسبب بها المستوطنون المتطرفون الذين ينهبون الأرض الفلسطينية ويعيثون فيها فسادا، فضلا عن أن تحول إسرائيل إلى دولة فاشية أضعف من أنصارها في المجتمع الدولي، بل وسبب الذعر والاشمئزاز في نفوس كثير من يهود العالم الذين باتوا يتبرأون من إسرائيل… الدولة التي أبادت (القيم والأخلاق اليهودية العليا)”، بحسب بيان صادر عن جماعة “اليهود المحافظون المتحدون ضد الصهيونية”. كذلك، فإنه، ومن الأسباب الأخرى التي تدخل ضمن مخاوف الإسرائيليين على مستقبلهم وسعيهم للحصول على جواز سفر ثان، ما جاء في البيان الصادر عن هذه الجماعة: “عدم الثقة بالقيادات الإسرائيلية الفاسدة في معظمها والتي تقود “البلاد” عبر سياستها العنصرية إلى “محرقة ثانية” والتي جعلت إسرائيل أكثر دولة مكروهة في العالم”.

بعد 63 عاما على وجود الدولة الصهيونية هناك – وفقا لعدد متنام من الكتاب الإسرائيليين – ما جعل الاسرائيليين يتخوفون من “شيخوخة” دولتهم ومن زوال كيانهم، علما بأن الصديق المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري قد سبق المفكرين الإسرائيليين بسنوات حين حدد – في أعقاب نشره لموسوعته الشهيرة – عشر علامات تؤشر – وفقا له – على زوال “وشيك” للكيان الصهيوني. وهذه العلامات هي: “تآكل المنظومة المجتمعية للدولة العبرية، والفشل في تغيير السياسات الحاكمة، وزيادة عدد النازحين لخارج إسرائيل، وانهيار نظرية الإجماع الوطني، وفشل تحديد ماهية الدولة اليهودية، بالإضافة إلى عدم اليقين من المستقبل، والعزوف عن الحياة العسكرية، وعدم القضاء على السكان الأصليين، وتحول إسرائيل إلى عبء على الإستراتجية الأمريكية، نهاية باستمرار المقاومة الفلسطينية”.