“الارهاب اليهودي”: عنوان الخطر القديم/ الجديد على إسرائيل؟

في الفترة الأخيرة، وصفت الصحف الإسرائيلية حوادث الاعتداء على عدد من المساجد ومقابر المسلمين والمسيحيين في فلسطين التاريخية، سواء في أراضي احتلال عام 1948 أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بـ”الإرهاب اليهودي” المتنقل بين الضفة الغربية وفلسطين 48، محذرة من أن هذه الاعتداءات سوف تنقلب على اليهود أنفسهم. و”الإرهاب اليهودي” مصطلح جديد أصبح يرد على لسان معظم الصحافة الإسرائيلية التي صبت غضبها على جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” لفشله في التعامل مع ما وصفته بـ”عصابات الإرهاب اليهودي”، مقابل “النجاحات التي يحققها هذا الجهاز” مع التنظيمات الفلسطينية. أما مبعث هذا الغضب المستجد فقد جاء بفعل “تنظيم” “شارة ثمن” الذي ينفذ العمليات الإرهابية التي يقوم بها المستعمرون/ “المستوطنون” ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية ومن بينها إحراق مسجد قرية (طوبا الزنجرية) في الجليل الأعلى، والاعتداء على مقابر المسلمين والمسيحيين في يافا.

عديد الكتاب والصحفيين والمعلقين الإسرائيليين اتهموا “الشاباك” بالتساهل أو التواطؤ إزاء أفعال “المستوطنين” مقابل التشدد ضد الفلسطينيين. فالكاتب والمحلل (يوسي ميلمان) كتب في “هآرتس” في هذا السياق ينتقد ما وصفه بـ”المعاملة اللطيفة التي يحظى بها المستوطن من (يتسهار) المتهم بإحراق مسجد (طوبا الزنجرية) والذي لم يجر اعتقاله، أصلاً، من قبل الشاباك”. وقال (ميلمان): “إنه قد سُمِح للمتهم بالتقاء محاميه الذي نصحه بعدم الإدلاء بأية معلومات، ولذلك لم ينجح الشاباك الذي لم يستخدم معه الأساليب المعروفة حتى الآن بانتزاع أية اعترافات تربطه بالعملية الإرهابية”.  بالمقابل، يشير (ميلمان) إلى سرعة “الشاباك في التحرك، وجمع المعلومات التي أوصلت إلى اعتقال قاصرين فلسطينيين بتهم إلقاء الحجارة على مركبة مستوطن، الأمر الذي تسبب بانقلاب المركبة ومقتله”، ويورد كيف استخدم “الشاباك” في التحقيق معهما “الأساليب المعهودة”، وانتزع منهما اعترافات ربطتهما بالعملية، وأدانتهما بارتكابها.

“يديعوت أحرونوت” نشرت عن “التنظيم” ذاته (“شارة ثمن”) مقالا للصحفية (ياعيل جفيرتس) قالت فيه: “إنها ليست جباية، وليست ثمنًا، الحديث يدور عن مخربين يهود، وهؤلاء المجرمين مشعلي الحرائق، وقاطعي الأشجار، ومنتهكي المقابر، يجب أن نريهم الموت، لأن استمرار هذه المجازر وتطبيق شعار “الموت للعرب” يعني الموت لليهود، أو ما يسمونه بلغة الجيش موت برصاص قوات صديقة، أو بلغة كرة القدم هدف ذاتي”. وحذرت الكاتبة قائلة: “ما يحدث هو بمثابة “قنبلة موقوتة تفوق خطورتها خطورة القنبلة النووية الإيرانية”. ومن جهته، قال الكاتب (رامي طال) في “يديعوت” أيضا إن “الإرهاب اليهودي الذي انطلق في إسرائيل بحرق مسجد طوبا زنجرية، وانتهاك مقابر يافا مؤخرا، يرتع، منذ سنوات بحرية في الضفة الغربية”. ويتابع الكاتب مستخلصا أن “الإرهاب اليهودي هو الأكثر خطورة على دولة إسرائيل من أي أخطار أخرى، بما فيها خطر الإرهاب العربي”. وفيما حذر (ميلمان) من أن هذه السياسة قد تقود إلى “إشعال حرب دينية” في إسرائيل، طالبت (جفيترس) رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) “بأن يقوم بالإعلان بجرأة عن هذه الأنشطة كأعمال إرهابية، وأن يعطي توجيهات للأجهزة الأمنية بأن تتعامل معها ومع منفذيها على هذا الأساس”. بل إن الجنرال (آفي مزراحي) قائد المنطقة المركزية في الجيش الإسرائيلي حذر قائلا: “الارهاب اليهودي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة قد يشعل الصراع هناك”. وأوضح، فيما نقلته “الاندبندنت” البريطانية على لسانه، قائلا: “ما يحدث ارهاب يجب التصدي له. ان مستوطنة (يتسهار) يجب أن تغلق فهي مصدر الارهاب ضد الفلسطينيين”. أما قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة اللواء (نتسان ألون) فقد أعرب في تصريحات إلى “نيويورك تايمز” عن قلقه من “العنف الذي يمارسه بعض المستوطنين المتطرفين”، واصفا من يقف وراء تلك الممارسات “بالإرهابيين”، مؤكدا “ضرورة تعزيز قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة لمحاصرة هذه الممارسات واعتقال من ينفذونها واجتثاث الظاهرة من جذورها”. أما الكاتب (عاموس هرئيل) فيقول: “خلف موجة الهجمات لا تقف منظمة إرهابية، بل منظومة واهنة من الخلايا والعصب، العاملة كل على انفراد وفي مجموعات صغيرة في ظل الحرص الزائد على الكتمان والسرية”. ثم يضيف محددا: “إحدى البؤر الأساسية للعنف هي المدرسة الدينية في مستوطنة يتسهار قرب نابلس. بؤر أخرى توجد في سهل شيلو شمالي رام الله وفي منطقة كريات أربع والخليل”.

مؤخرا، نشرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي تقريرا يرتكز على إفادات معلمي موضوع “المواطنة” في عدد كبير من المدارس الدينية اليهودية يؤكد أن الكراهية للعرب تتصاعد بوتيرة كبيرة في المدارس الدينية اليهودية. وقد أكد التقرير أن بعض هذه المدارس مرتبط أيضا بمعاهد دينية، مع تحول نسبة واضحة من هذه المعاهد إلى بؤر للتحريض والجرائم الإرهابية، وبشكل خاص المعاهد القائمة في “مستوطنات” الضفة والقدس المحتلة. والمقصود بالمدارس الدينية اليهودية، بحسب التقرير، المدارس الرسمية التي يتعلم فيها الطلاب من التيار “الديني الصهيوني”، وهو مختلف عن التيار الديني الأصولي. فالتيار الديني الصهيوني هو التيار المسيطر على عصابات “المستوطنين” في الضفة. وفي هذا السياق، لربما الأكثر أهمية في كل ما قيل، إسرائيليا هو مقال حمل عنوان “الجهاد اليهودي”! للكاتب اليميني (بن درور) ونشرته “معاريف”، حيث يقول: “هؤلاء الاشخاص، من التيار الاصولي – القومي، الذين يسقون الزرع المنفلت الذي يهدد بفنائنا، لدينا ميل للاستخفاف بهم. عصبة صغيرة. قليلة. حبذا، ولكن لنفترض بان الحديث يدور عن أفراد، فان مثل هؤلاء الافراد، المصممين والمجرمين، قادمون لاحراق الشرق الاوسط. الاتراك الذين ازدحموا في (سفينة) مرمرة كانوا أقلية، ولكنهم جروا الشرق الاوسط الى عصر جديد. فقد نجحوا في أن يؤدوا الى مواجهة بين تركيا واسرائيل. وقد حققوا مسعاهم. هذه قصة مجموعات الايديولوجيات المتزمتة. واذا كان يخيل لنا بان هذه نقمة وقعت على جيراننا، يتبين ان هذه النقمة تربض بين ظهرانينا”. ويختم (بن درور) مقاله بإدانة حاسمة (تزيد من أهميتها يمينية الكاتب) إذ يكتب مستخلصا: “بيد واحدة الدولة تحقق وتبحث، وبيد ثانية الدولة تدفع وتمول. كلما استمر اللسان المزدوج لن تكون لدينا أي امكانية لنقول ان يدنا لم تكن ضالعة في الفعل”!

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى