4 دول في فلسطين التاريخية: الغلبة لمن؟!!

عمليا، هناك في (فلسطين التاريخية) أربع دول: أولاها “دولة إسرائيل”، وثانيها “دولة المستوطنين”، وثالثها “دولة رام الله”، ورابعها “دولة غزة”. أدركت الدولة الاولى، أن مصطلح/ مفهوم “يهودية الدولة” هو الشعار الأنجع لإنهاء مضمون القرار الأممي (194) الداعي لعودة اللاجئين الفلسطينيين في أقرب فرصة ممكنة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم جراء اللجوء القسري. والمصطلح نفسه يتضمن أيضا توجه اسرائيل لطرد فلسطينيي 48 من وطنهم بزعم الحفاظ على نقاء “الدولة اليهودية”‏،‏ ومحاولة جذب مزيد من يهود العالم إلى إسرائيل. وبعيدا عن التهوين أو التهويل بخصوص مكامن القوة الإسرائيلية (القائمة على نظرية الأمن المطلق، والحدود الآمنة، واستخدام القوة المفرطة، وتأمين كافة مظاهر الدعم والمساعدة الخارجية) إلا أنه وبعد 63 عاما على وجود الدولة الصهيونية يمكن القول أن هناك “مجتمعات” اسرائيلية لأنه لم تتبلور بعد حقيقة “مجتمع” واحد، الامر الذي يجعل الاسرائيليين يتخوفون من “شيخوخة” دولتهم ومن زوال كيانهم. بل إن عددا من قادة إسرائيل السابقين وبعض المفكرين اليهود (والعهدة على هؤلاء الرواة) عبروا عن هواجس حقيقية على هذا الصعيد. فشيخوخة إسرائيل تبدو – حاليا – واضحة في حالة المؤسسات التي أقامت الدولة: إنقسام الأحزاب الرئيسية وتراجع قوتها، وتشظي البنية السياسية – الاجتماعية وهزيمتها كإطار جامع للرؤية الأحادية للهوية.

الدولة الثانية (“الفتية”)، دولة “المستوطنين/ المستعمرين”. وربما يكون 2011 حتى اللحظة هو عام الظهور الأكبر “للمستوطنين” الذين نجحوا، عبر الكنيست الإسرائيلي، بإصدار وابل من القوانين والمبادرات العنصرية الفاشية غير المسبوقة. وبذلك، أضحى المستعمرون “دولة” داخل الدولة، يشكلون قوة ضغط سياسية قوية سواء في الحكومة أو في الكنيست. “دولة” تملك السلاح، ورجالاتها موجودون في الفروع الأكثر حساسية في الإدارة في إسرائيل، وبات “جيش الدفاع” كثيرا ما يغض النظر عن أعمالهم غير القانونية. وفي هذا السياق، يقول البروفسور (أورن يفتاحئيل) الأستاذ في جامعة “بن- غوريون”: “المستوطنون باشروا عن طريق الكنيست ضم دولة إسرائيل إلى المستوطنات، وذلك بعد أن ضاقوا ذرعاً بالجدل الإسرائيلي اللانهائي في شأن مسألة ضم المستوطنات إلى الدولة، بمعنى أنه عوضا عن أن تقوم إسرائيل بضم (المناطق)، فإن المناطق (المهوّدة) تقوم بضم الدولة إليها، خطوة بعد خطوة”. ويفسر (يفتاحئيل) تعاظم “دولة المستوطنين” بالقول: “المشكلة المركزية هنا ليست المستوطنين، لأن هؤلاء يشكلون أقلية ضئيلة نسبيا وأيديولوجيا، إنما المشكلة البنيوية هي في النخب السلطوية، العسكرية والاقتصادية، التي تدعم وتشجع من دون توقف أو كلل نشاطات المستوطنين وأعمالهم (عبر) المبادرات والتشريعات القانونية. وربما الأهم هو أن الغالبية الصامتة في إسرائيل تقبل من دون أي اكتراث عملية الضم المعاكس هذه”. وما يؤكد حقيقة وجود ما بات يعرف بـ “مملكة المستوطنين” إقامتهم لميليشيا خاصة بهم هدفها، وفق إعلان قائدها (باروخ مارزل)، حماية أحياء في جنوب تل أبيب مما وصف بـ “تهديد اللاجئين” ومن أجل “تنظيف” المنطقة (من الفلسطينيين). ويقول عضو الكنيست الأسبق (أوري أفنيري): “المفهوم الخفي لسيل القوانين الأخيرة في الكنيست هو ضم دولة إسرائيل إلى مملكة المستوطنين”. لذا، يقول (سيفر بلوتسكر)، أحد كبار معلقي صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “لا شك في استعداد معظم الإسرائيليين، في الوقت الحالي، التسليم بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. غير أن الدولة التي يقصدونها لا تختلف كثيراً عن السلطة الفلسطينية الحالية، سواء من الناحية الجغرافية، أو من الناحيتين السياسية والعسكرية. ولعل أكبر دليل على ذلك هو أن أقلية من بين الإسرائيليين، وفقاً لاستطلاعات الرأي العام، تؤيد إجلاء 150 – 200 ألف مستوطن من الضفة الغربية، أو تدعم انسحاب الجيش الإسرائيلي من قواعده العسكرية في غور الأردن، أو إقامة خط حدودي جديد في مدينة القدس، أو تحويل المناطق (المحتلة) إلى بلد يستوعب مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين وخصوصاً من مخيمات لبنان”.

الدولة الثالثة، دولة “رام الله”، ضمن إطار الضفة الغربية المحتلة! وهي دولة مليئة “بالمستوطنات”، وبالتالي باعتداءات “سكانها” من المستعمرين، علاوة على الحواجز والمعابر والجدار. والدولة الرابعة، دولة “غزة”، “الدويلة” الفلسطينية المحاصرة التي ترفع شعارات تحرير كامل التراب الفلسطيني، وتجيد فن عقد التحالفات الاقليمية، وإبرام هدن قد تكون طويلة مع إسرائيل. وهاتان الدويلتان ليستا محل جزع إسرائيلي، حاليا على الأقل. وفي مقال حديث له، ينعق البروفيسور (جدعون بيغر) من جامعة تل ابيب عن أن التجارب التاريخية السابقة تدل على أن الضفة والقطاع لا يمكن ان يكونا دولة واحدة زمنا طويلا، وأنهما ستنفصلان لتصبحا دولتين عربيتين، حيث يقول: “يحثون في العالم على الاعتراف بالاستقلال الفلسطيني، وبموازاة ذلك توقع السلطة الفلسطينية على اتفاق مع حماس في غزة للتوحد والعمل السياسي المشترك. لكن السؤال السياسي/ الجغرافي هو: هل دولة، منقسمة باثنتين، بينهما دولة أخرى تستطيع البقاء زمنا طويلا؟. كما يبدو الوضع الآن، نحن نواجه رسم دولة جديدة على خريطة العالم يميزها من جملة ما يميزها انها مؤلفة من جزئين بلا صلة مناطقية برية أو بحرية. وعلاوة على جميع الاختلافات السياسية، وسواء هذا جيد أو سيء لاسرائيل، يُثار سؤال هل يمكن ان يدوم ذلك؟”. ويختم: “يبدو انه، في النهاية، بسبب الفرق البارز بين غزة ورام الله – وبرغم حقيقة ان هاتين المنطقتين هما نتاج احتلال عسكري في 1948 دون أي أساس سابق للوحدة – ستنشأ في نهاية الامر دولتان عربيتان داخل ارض اسرائيل: دولة غزة البحرية والساحلية وهي أكثر تعلقا بمصر والبحر المتوسط، ودولة الجبل المتعلقة بالمملكة الاردنية وبالشرق”!

ختاما، لا يمكن تجاهل أن الدولتين، الاولى والثانية، هما “دولتان” حقيقيتان قويتان وتملكان مقومات “السوبر بور”، ويكفي هذا السبب “ليجبر” قادة “الدولتين” الثالثة والرابعة، على الجلوس معا والتصالح حد التوحد إذا هم أرادوا – فعلا – فرصة – مجرد فرصة – لمواجهة الدولة الإسرائيلية “السوبر” وحلفائها! وبدون ذلك، ستبقى الغلبة للدولتين الأولى والثانية.. وحتى إشعار آخر!!