“إنتصار” إسرائيل وتزايد نزع شرعيتها
في تعاملها مع أسطول الحرية الجوي وأسطول الحرية البحري2، أعلنت إسرائيل “إنتصارها”، واحتفلت بانتهاء مغامرة كان يمكن أن تحرجها أكثر وتزيد من عزلتها الدولية، الأمر الذي جعل عديد الكتاب والمحللين الإسرائيليين والأجانب يتحدث عن الرعب الإسرائيلي الذي عاشته حكومة اليمين المتطرف والتي استنفرت قوات جيش “الدفاع”، مثلما باشرت بحملة ديبلوماسية هائلة لإقناع العالم عموما واليونان وتركيا وبعض شركات الطيران العالمية في شكل خاص، للعمل معها لمنع نجاح الأسطولين.
وبعيدا عن رد فعل حكومات المتضامنين، المدافعة إنتقائيا عن الحريات وحقوق الإنسان، يهمنا هنا ما يحصل في اسرائيل التي تتزايد فيها التقييدات على الحريات العامة والفردية دون رقيب او حسيب، وهي التي تسن أكثر القوانين عنصرية في عالم اليوم. فإعلاميا، قامت الدولة الصهيونية بتضخيم تأثير الأسطولين وتحويلهما إلى خطر وجودي، بحيث تحولت الحرية والكلمة إلى “إرهاب”. وفي السياق، أرسل الكاتب الأمريكي اليهودي (جيمس دورسي)، وهو صديق لم يكن يوما معاديا لإسرائيل، أرسل لي مقالا بليغا، بمعانيه وعباراته، كان قد نشره بعنوان “إسرائيل تحول الفئران إلى فيلة” قال فيه: “بتزايد عزلتها، عرضت إسرائيل “ذهنيتها المحاصرة” بشكل متكامل، ونجحت من خلال هذه الآلية بتحويل الفار إلى فيل. فالرد الاسرائيلي على الرحلات المنظمة من قبل عدة مئات من المتعاطفيين والناشطيين الغربيين مع فلسطين، يمثل رد فعل هستيري غير مكافئ وغير متوازن. أكثر من ذاك، أقلع هؤلاء الناشطون من مطارات تتبع تدقيقا أمنيا واسعا يشمل كل الرحلات والوجهات، بما فيها وجهة إسرائيل. بمعنى آخر، لا يوجد حد أدنى بأن ينجح أي متضامن من تهريب حتى ولو خيط إبرة إلى إسرائيل”. ويستنتج (دورسي): “لقد أظهرت إسرائيل أنها تفتقد لأي منظور ذكي ولامع في مجال العلاقات العامة. وتحول الأمر إلى فضيحة في العلاقات العامة. وبهذا قدمت إسرائيل لهؤلاء الناشطين النصر على طبق من فضة”. كذلك، تحدث صاحبنا عما أسماه “نظرة النفق” الإسرائيلية التي تسيطر على “رؤية إسرائيل”، حيث يقول: “محاولة اسرائيل وضع الصحفيين المرافقين لسفن التضامن على القوائم السوداء، ومنعها النشطاء من دخول (البلد)، أصبح عارا على كل حديث عن أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي تحترم حرية التعبير. إن ‘نظرة النفق’ التي تسيطر على رؤية إسرائيل، لا يصيب الا اسرائيل نفسها. هذا النفق، وبشكل متزايد، سيجعل دعم اصدقائها لها صعبا، ويمنعها من رؤية ما يدور حولها. لقد وضعت إسرائيل حاجب رؤية على أعينها”. ويختم: “اسرائيل ستعمل معروفا كبيرا للمنطقة ولنفسها اذا استثمرت حجم الطاقة والتصميم لإيجاد حل للصراع الاساسي مع جيرانها الفلسطنيين ومحاربة أعراضه ومسبباته بدلا من تحويل الفئران… الى فيلة”.
بالمقابل، بعض الأصوات الإسرائيلية رحبت بـ “إنتصار” إسرائيل على الأسطولين، كـ (ميلني فيلبس) التي اقترحت خططاً لمواجهة نشطاء السلام واختارت شعار “مجانين العالم اتحدوا”. ووفق (فيلبس): “فإن التخطيط لقافلة السفن هذه يؤكد من جديد ان إسرائيل غير معرضة لتهديدات وهجوم من الناحية العسكرية، إنما أيضا من الناحية النفسية، وهذه الأخيرة الأشد فتكا لأن المروجين لها يستخدمون ألاعيب ناجحة أمام الرأي العام العالمي”.
على أي حال، الاسرائيليون ليسوا موحدين في الموقف من هذه القضية. وهناك من يعتبر الانتصار الاسرائيلي أمراً مؤقتاً. فقد وصف البعض توجه اسرائيل بأنه “سخافة تقبع في أساس سياسة الحكومة ورئيسها”. وكتبت صحيفة “هآرتس” تقول: “منع الاسطول لا يمكنه أن يغطي على الفشل التام للسياسة الاسرائيلية. وقدوم الأسطول الجوي الى مطار بن غوريون في تل أبيب هو دليل واحد فقط على فشل السياسة الاسرائيلية. فأنصار السلام مبدعون. ويحاولون لفت النظر الى سياسة اسرائيل العدوانية في مختلف الأشكال. وحكومة اسرائيل الحالية عاجزة تماماً عن اعطاء ردود مقنعة أمام العالم”. من جانبه، يتهكم (بن درور – يميني) على “انتصار” إسرائيل في مقال نشره في “معاريف” فأوضح: “قواتنا عادت الى قواعدها بسلام. المواجهة بثت في قنوات وسائل الاعلام الرائدة في العالم. ولعيون الاجانب، كان يخيل أن أفراد الشرطة، الذين يبدون كالجنود، اوقفوا متظاهرين من دول ديمقراطية حاولوا الدخول الى اسرائيل من أجل الوصول الى السلطة الفلسطينية”. أما (ناحوم برنياع) فيقول في مقال ساخر آخر بعنوان “هدوءاً، سياح”: “ربما كان هذا هو الوضع ذات مرة. الآن عندنا رئيس حكومة هاديء وناضج ومتهكم خالص، ولم تعد القوافل البحرية تخيفنا. والطلعات الجوية لا تستخرج العرق منا. لكنه بين الفينة والاخرى، مرة كل اسبوع تقريبا، يشعر (أي نتنياهو) بأن من الصواب أن يعثر على عدو يُعظمه تعظيما مخيفا ويحاربه بشجاعة وينتصر عليه بالضربة القاضية”. أما (تسفي برئيل) فيقول في مقال بعنوان “ديمقراطية مجنونة”: “تطمح اسرائيل لتكون دولة ديمقراطية مجنونة. دولة يحسن الا يشغل العالم نفسه بها لانه لا يمكن ان يعلم ماذا ستفعل في كل ما يتعلق بشؤون الامن. فهي تطلق النار أولا وتسأل الاسئلة بعد ذلك. فاذا قتل في هذه الفرصة ايضا مدنيون أبرياء فلسطينيون أو أتراك أو نشطاء سلام فليس هذا خطأ بشريا وخللا يقع عندما نحارب بل هو أداة لتعزيز صورة الجنون التي ترمي الى الردع”!! ونختم مع (يوسي بيلين) الذي أبدى سخرية عالية في مقال عنوانه “نضر بأنفسنا مرة اخرى”: “هذا في الحقيقة آخر ما نحتاج اليه، فاسرائيل تُصور على أنها دولة مغلقة، تخشى ظلها، وهي غير مستعدة لتجميد البناء في المستوطنات حتى ثلاثة اشهر لتجديد التفاوض مع الفلسطينيين، وتناضل وحدها تقريبا لمنع ما قد وافق عليه العالم كله وأكثر مواطنيها ايضا، وهو انشاء دولة فلسطينية، دولة تكون الحدود معها حدود الهدنة التي سبقت حرب الايام الستة مع تغييرات متبادلة متساوية. نجحت قيادة م.ت.ف برئاسة عباس في أن تحرز أكثر كثيرا مما كانت تأمل، وقد فعلت هذا بمساعدة حكومة اسرائيل غير المقصودة: فاذا كان هدفها إحداث نزع للشرعية عن استمرار وجودنا في الضفة الغربية وضغط من اجل انهاء الاحتلال مع تمهيد الطريق لدولة فلسطينية، فاننا قد منحناها جائزة. فنحن، بردنا على هذه الاجراءات، ساعدنا حملة نزع الشرعية عن دولة اسرائيل. هذا فقط ما كان ينقصنا”!!