هل يملك (نتنياهو) خطة للتفاوض؟!!

تعكس استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) رؤى اليمين المتطرف الحاكم تجاه أبرز “متطلبات” عملية التسوية إسرائيليا: دولة فلسطينية بلا سيادة، توسيع المستعمرات/ “المستوطنات”، القدس “عاصمة موحدة وأبدية” لاسرائيل، تسريع عملية تهويد المكان والزمان، ولا عودة للاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم!! وتلعب هذه الاستراتيجيته على الشعارات الجوفاء. (فنتنياهو) لا يملك خطة علنية تخصه، ومضمون خطته الحقيقية يتجلى في: سيطرة إسرائيلية على كامل “أرض فلسطين التاريخية” حتى لو تضمن ذلك وجود كيان فلسطيني لا لون له، وان كان له طعم فسيء، ورائحة هي أيضا كريهة!!! ودوما، يحاول (نتنياهو) كسب الوقت وتأجيل المفاوضات الجدية، محددا شروطا تعجيزية بما يتعارض مع القانون الدولي ورؤى الأسرة الدولية.

مؤخرا، أبرزت صحيفة “هآرتس” ما كتبه الصحفي (إيتغار كيرت) الذي رافق (نتنياهو) في زيارته إلى إيطاليا، تحت عنوان “هذا صراع لا حل له”، حيث سأله (كيرت): “الفلسطينيون يبادرون إلى تنظيم أسطول لكسر الحصار في يوم، وفي اليوم التالي اعتراف في الأمم المتحدة، في حين أن إسرائيل، كما يبدو، ليس لها أي خطة، وإنما ترد فقط”. ويتابع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي رد عليه قائلا: “هذا صراع غير قابل للحل لأنه ليس على الأرض”، مضيفا “التنازل عن كليومتر آخر لا يحل الصراع، وذلك لأن جذور الصراع قائمة في مكان آخر.. وبدون أن يعترف عباس بإسرائيل كدولة يهودية لن يتم التوصل إلى اتفاق”. وبعد أن يقرر (كيرت) أن: “نتنياهو انتهازي خائف يلوح بالشعارات للحفاظ على مقعده”، يختم بحزن: “كان نتنياهو إلى جانبي يبتسم أمام الكاميرات، وكنت أحاول أنا أيضا أن ابتسم.. ولكن بعد هذه المحادثة.. لا مكان لابتسامة ولا مكان لأمل.. بل لليأس فقط”.

وفي مقال حديث يقول الكاتب الإسرائيلي (غادي طؤوب): “نتنياهو خليط غريب من العهود. نوع من المسخ اليميني الجديد المتشكل من خليط صهيوني يجمع بين القديم والجديد. هو مكتب إعلانات حديث العهد وواسع الإطلاع ـ ما بعد الحداثة، ربما ـ ولكن من جهة أخرى هو عدمي راسخ. تقليد سطحي لبدلات وول ستريت من ناحية، مع جمود فكري لليمين الإسرائيلي من ناحية أخرى بينما قدماه عالقتان في الاسمنت القديم للمستوطنات”. ويقول (زئيف شترنهل) في مقال بعنوان “بشرى خراب نتنياهو”: “من سوء حظ اليمين الحاكم إن عناصر تسوية السلام الإسرائيلية الفلسطينية حُددت قبل سنين كثيرة، ونُقشت عميقة في الوعي الدولي والإسرائيلي معا. أجل، لم توجد قط حكومة خطرها على سلامة الجمهور أكبر من خطر حكومة نتنياهو”. وفي لقاء صحفي مع رئيس المعارضة (تسيبي ليفني) – وزيرة الخارجية السابقة – قالت: “يقولون أنه يجب إزاحة بيبي وان الحال الراهنة لم تعد ممكنة. وإنه يجب فعل شيء ما. إسرائيل معزولة. وهذه العزلة تضر بالأمن. إن ما يفعلونه اليوم إخفاق. إنهم لا يمنعون ما يوشك أن يقع. إن رؤيا دولة إسرائيل باعتبارها دولة يهودية تتعرض للخطر ونتنياهو لا يتخذ قرارات. وكي يرضي أذن اليمين يقول لا لمصالحنا. إذا لم يوقف نتنياهو القطار فسيكون مذنباً. يجب عليه أن يفعل شيئاً واحداً هو أن يدخل غرفة التفاوض فورا”. أما (نحاميا شترسلر) فيستخلص: “تحولنا من دولة علمانية ذات حكومة قوية ومؤسسة حاخامية ضعيفة الى دولة يحكمها الحاخامون وحاكميتها ضعيفة. نتنياهو يقضي معظم ايامه باحثا عن أفكار جديدة كيف يظهر نفسه معنيا بالتفاوض مقابل الطرف الثاني الذي يعوق كل شيء. وهكذا يكسب شهرا آخر وسنة اخرى دون حراك. يريد ان يصدق ان الوقت يعمل في مصلحتنا وهو لا يفهم ان سياسته الرفضية تضر باستقلالنا الى درجة تعريض الوجود للخطر. العالم الغربي لم يعد مستعدا لقبول سلطة الاحتلال، وستعترف دول في اوروبا بدولة فلسطينية في ايلول وهكذا ستبدأ مسيرة تسوية مفروضة على اسرائيل. إن جنوب افريقيا ايضا اعتقدت انها قوية ومستقلة الى ان فُرضت عليها عقوبات”.

ورغم أن (نتنياهو) لم ينجح في إنهاء “عملية” السلام فقد نجح إلى حد بعيد في تغيير ملامحها جذريا وتركها جثة مشوهة. فحكومته أغلقت كل نوافذ فرص تحقيق أي تسوية للصراع الفلسطيني والعربي/ الإسرائيلي في المدى المنظور. ومع هذا، يعتقد مراقبون أنه ربما تدفعه انتهازيته (زائدا حرصه المعروف على صورته ومصالحه) للقبول بسيناريو ما قريب مما تطرحه الولايات المتحدة، رغم صعوبة ذلك، وعلى قاعدة أن “يدخل التاريخ” كرجل سلام ينال بموجبها جائزة نوبل!! غير أن (نتنياهو) الذي يحمل أجندة سياسية يمينية متطرفة، ينظر إلى الانسحاب من أي جزء من الضفة الغربية على أنه “تنازلات مؤلمة”. وفي هذا يقول (إبراهيم شرقية) أحد المسؤولين في “معهد بروكينغز”، في مقال نشرته “كريستان سينس مونيتور”: “نتنياهو، مستغلا لكنته النيويوركية في مخاطبته للكونغرس الأمريكي، ألقى كلمة لم تقدم غير المزيد من وضع العراقيل أمام التوصل إلى السلام الدائم والعادل في منطقة الشرق الأوسط. ولم يفشل فحسب في تقديم رؤية لعملية السلام في الشرق الأوسط المتغير، وإنما أقدم أيضاً على طرح شروط وعبارات جديدة، من شأنها إعاقة أي جهود سلمية في المستقبل”.

وعليه، من كل هذا، يتبين لنا أن “خطة” (نتنياهو)، إن جاز تسميتها كذلك، تتمحور حول عدم تركه أي شيء على الطاولة للتفاوض عليه. فبعيدا عن استخدام العبارات المبهمة، يفرض (نتنياهو) شروطا تعيد جهود التسوية إلى ما كانت عليه قبل العام 1993، مستثنيا قضايا القدس واللاجئين وحدود العام 1967 من أي مفاوضات. وهذا الواقع يجعل المرء يستنتج أن (نتنياهو) يريد، باختصار شديد: شراء الوقت لخلق حقائق صهيونية جديدة على الأرض. وأصلا، كيف نتوقع سلاما من ائتلاف حكومي يضم دعاة القتل والعنصرية والترحيل، ويرفض واقعيا “حل الدولتين”، ويؤمن أيضا أن الضفة الغربية ليست أرضا محتلة وإنما هي أرض “قومية توراتية” وعلى اليهود الاحتفاظ بها ولا يحق لهم التنازل عنها أو التفاوض بشأنها؟!!! والحال كذلك، علينا، إذن، استخلاص النتائج.