“مصالحة” أم اتفاق لتأسيس “كونفدرالية” فلسطينية؟

الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد احتفالات “المصالحة” مع حركة حماس، عزز موقفه لانتزاع اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين في حدود 1967. ويأتي هذا بعد فشل “المفاوضات” مع اسرائيل الماضية في تطبيق سياسة الاستعمار/ “الاستيطان” في الضفة الغربية، وبعد أن لم تطابق التغيرات الاقليمية والعربية توقعات كل من حماس وفتح. ومع أن “المصالحة” الفلسطينية تعزز وتقوي الموقف الرسمي الموحد لحظة التوجه الى الامم المتحدة لتقديم طلب عضوية كاملة لدولة فلسطين، ورغم اهتمام الاتفاق بالأساس بتأليف حكومة كفاءات وطنية تدير المرحلة الانتقالية لمدة عام وتفضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات للمجلس الوطني، بنحو متواز، إلا أنه يكرس – أي الاتفاق – استمرار حالة الانقسام بين قوة تحكم في قطاع غزة وأخرى في الضفة الغربية، بالمعنى العملي، بسبب اقتناع الحركتين ومن ورائهم مصر أنه لن يكون من السهل، بالذات، حسم هيكلة وإعادة بناء الأجهزة الأمنية بسرعة، دون أن يواجه هذا الأمر رفضا إسرائيليا وربما أميركيا.

بداية، لا بد من الاتفاق على أن هذه “القضية” الهامة التي انتهت إلى قبول الطرفين ببقاء الهيمنة الأمنية لكل منهما (ولو إلى حين) كان قد أوضحها بعبارات ساطعة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض مما جعله يتعرض لهجوم سياسي مع انها من أهم الأسباب –في تقديري- التي أدت إلى تسريع توقيع حماس على الورقة المصرية. وكنت (في مقالة منشورة يوم 13/1/2011) قد بادرت إلى الدعوة للتعلم من التجارب الكردية والسودانية واللبنانية وغيرها مناديا “بتقنين الخلافات” و”بالتعايش” طالما ان الاتفاق الناجز والمصالحة العميقة أمران غير ممكنين بين حركتي فتح وحماس. فالقضية نفسها كانت، عمليا، العقبة الأصعب التي رسخت الانقسام طوال سنواته السوداء الأربع، وكأن كلا الحركتين في ظل أجواء عدم الثقة التي غلبت مواقفهما تجاه الآخر، يعلن أنه يملك الضفة وعينه على غزة، فيما الآخر يعلن أن الضفة له ولابد من الحصول أيضا على غزة. على صعيد آخر، سيكون هناك حوار من أجل الاتفاق على شكل الحكومة وعلى برنامجها السياسي. لكن لا يجب أن ننسى أنه أمر قد يفتح الباب مجدداً على الجدل حول ضرورة التزام الحكومة بالشروط الدولية من عدمه، خاصة أن تعليق الولايات المتحدة على اتفاق المصالحة جاء من مدخل برنامج الحكومة التي ستنبثق عنه، إذ يربط الاعتراف بها بتقيدها بشروط “الرباعية الدولية”، وهو الأمر الذي تصر حماس على رفضه، بعد أن أحست أن “المصالحة” منحتها شرعية سياسية دون ان تتخلى عن انجازاتها وسيطرتها على القطاع، رغم إدراكها أن الرئيس عباس أكد وعزز شرعيته أيضا مع انتهاء “الاحتفالية الوحدوية” التي شهدتها القاهرة الأسبوع المنصرم.

الاتفاق، كما قلنا، جاء ليكرس، لزمن قد يقصر أو يطول، “السيادة الأمنية” لكل من فتح وحماس في جزء من جغرافية “الدولة الفلسطينية” المنشودة. طبعا، هذا “التكريس” أيضا وضع – بالأمل – حلولا لإنهاء اقتسام تلك “السيادة”! والحال كذلك، فإننا، فعليا، نطبق كونفدرالية بين سلطتين مستقلتين عن بعضهما بعد أن حققتا “استقلالهما” الأمني! كنا نأمل (وما كل ما يتمنى المرء يدركه!) ان تتجاوز الحركتان الكبيرتان “الكونفدرالية” إلى “الفدرالية”، باعتبار الأولى شكلا من أشكال الحكم تكون فيه السلطات مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية ووحدات حكومية اصغر. طبعا، نحن لن نبتز الواقع ليعطي ما لا يستطيع، فثمة سحاب غير ممطر … وغيم ممطر ولكل شروطه. لذلك، ندرك أن ما نتمناه أمر لا يحدث بين ليلة وضحاها بعد سنوات اربع سوداء كان عنوانها الاكبر بين الطرفين الاقتتال والاعتقالات المتبادلة. وعليه، نقول: حسنا ما فعله الطرفان أي قبولهما بالتعايش سويا ومعا بعد تقنين الخلافات بينهما والأمل كبير بأن يكون ما جرى إنجازه خطوة على درب وحدة ديمقراطية قادمة.

نعم، قد يكون الشعب الفلسطيني قد طوى صفحة سوداء من الانقسام المدمر استمرت أربعة أعوام في احتفال رسمي برعاية مصرية وبحضور دولي وعربي، لكننا نعلم أيضا أن قرار “المصالحة” ليس قرارا فلسطينيا/فلسطينيا او حتى عربيا فحسب. فعمليا، ثمة اطراف إقليمية ودولية لها “حصة” في هذا القرار، وإن كنا، نحن الذين نقرر “حجم” تلك الحصة إن كنا قد اعددنا العدة لذلك! فمثلا، حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، والتي كانت تتذرع بالانقسام لتتهرب من المفاوضات هي نفسها التي تتذرع حاليا بالاتفاق الحمساوي الفتحاوي للتهرب من المفاوضات ولشن حملة ضده. ونحن –حقا- لا نريد الاتفاق ذرا للرماد في العيون، كما وصفه الوزير المسؤول عن الدفاع المدني في إسرائيل (متان فلنائي) مشددا: “لن يتغير شىء بعد هذا الاتفاق لان كل هذا هو ذر للرماد في العيون. حماس وفتح لن تتفقا على شيء وافضل مثال على ذلك (ما حصل اثر) مقتل اسامة بن لادن”، مشيرا الى التعليقات المتناقضة الصادرة عن الطرفين. وقال (فلنائي) ان الرئيس الفلسطيني ورئيس حركة فتح ارتكبا خطأ في تمرير هذا الاتفاق لان حماس في موقف ضعيف وهذا ما يبرر تقاربها مع فتح”. اما (بن كاسبيت) فكتب في صحيفة “معاريف”: “إنه ان كانت هذه المصالحة تشبه بعرض زواج فنحن ما زلنا في فترة الاغراء”. أما “هآرتس” فقالت في افتتاحية سمتها “فرصة وليس تهديدا”: “الاتفاق يتطلب من اسرائيل مراجعة مواقفها. لا تستطيع اسرائيل ولن تقوم باحباطها، وسيكون من الجيد ان تقوم اسرائيل بالاعتراف بحكومة الوحدة الفلسطينية من اجل اجراء حوار وعلاقات جيرة مع الدولة الفلسطينية في المستقبل”.

ختاما، وفي سياق دور الأطراف الإقليمية وانعكاساتها دوليا، تبرز أهمية الدعم العربي، فالدول العربية مطالبة بوضع الاستراتيجيات الكفيلة بمؤازرة الموقف الفلسطيني عبر كل الصعد، لان هذا الاتفاق سيسهم في تغيير موازين القوى والبدء بحملة عالمية ناجحة لاعلان الدولة الفلسطينية عبر الامم المتحدة والاسهام في السعي لمقاطعة اسرائيل اذا ما استمرت في عملية رفضها للسلام شبه العادل (فالعدل المطلق لن يتحقق الآن … وسلميا)!