“الوطن البديل” و”الوطن العليل”

“الوطن البديل”، أو “الخيار الأردني”، فكرة إسرائيلية تلتقي مع فكرة الاعتراف “بيهودية الدولة” ومع أهداف جدار الفصل العنصري ووصول مفاوضات التسوية إلى طريق مسدود، أي المزيد من تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني. لذلك، فإن “الوطن البديل” هو ملف قائم ضمن المخططات الإسرائيلية العديدة والجاهزة للتنفيذ فور توفر الظروف المواتية إذ هو يسير بخط مواز مع عملية التهويد المتسارعة في فلسطين. وفي هذا السياق، تتكرر التصريحات والمواقف الاردنية الرسمية، على أعلى المستويات، مؤكدة رفض الاردن المطلق لأية خطط لإعادة إحياء ما يسمى بالخيار الاردني كحل بديل لخيار الدولتين. كما تتكرر تصريحات بعض الرسميين الاسرائيليين القائلة أن الاردن جزء من “أرض اسرائيل التاريخية” وأن “الوطن المحتمل البديل” للفلسطينيين يشكل تنازلا، إسرائيليا، مهما!!! وهنا، بالذات، تأتي التصريحات النشاز لعضو الكنيست الإسرائيلي (إرييه إلداد) بشأن “الوطن البديل” على الضفة الشرقية من نهر الأردن.

إن مشروع “الوطن البديل” هو امتداد تاريخي واستراتيجي للمشروع الصهيوني الكولونيالي التوسعي الذي انطلق تقريبا مع منتصف القرن التاسع عشر. وما موجات الترحيل والإحلال سوى قاعدة عملية من قواعده، لتكون “أرض فلسطين التاريخية” كاملة، وعلى رأسها القدس، خالصة لليهود! من هنا، لم يكن غريبا تأكيد وتركيز أعين الأحزاب الإسرائيلية الرئيسة على شرقي الأردن بوصفه المكان المفضل (ونكرر: المتنازل عنه”!!!) لصالح الوطن البديل للفلسطينيين. وهو طرح يمثل قاعدة استراتيجية من قواعد المشروع الصهيوني القائم على الأطروحة الكاذبة التي قوامها: امتلاك “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. ومثل هذا الطرح يستدعي إفراغ الأرض من شعبها باتباع سياسات الترحيل و”الترانسفير” بأشكاله المختلفة سواء عبر القتل والمجازر والإرهاب الذي مارسته العصابات اليهودية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد الشعب الفلسطيني كاملا، أو عبر سياسات اقتصادية تجعل من فلسطين أرضا “طاردة” لسكانها الأصليين. وعليه، جاء جهد الحكومات الإسرائيلية المحموم لتسريع المشاريع الاستعمارية/ “الاستيطانية” الكبرى والمتوسطة والصغرى رغم الاعتراضات السياسية والقانونية الدولية.

وكما أن فكرة “الوطن البديل” مرفوضة أردنيا على المستويات كلها، فهي مرفوضة أيضا فلسطينيا. فالشعب الفلسطيني بات يدرك أن طريق “الوطن البديل” هو آخر الدواء الصهيوني لمرض “بقاء إسرائيل” ككيان سرطاني يجب استئصاله مع استمرار الاجتياح الاستعماري/ “الاستيطاني” الذي وصل إلى حدود السعي إلى هدم مدينة القدس القائمة وإقامة قدس جديدة تشمل مستعمرات/ “مستوطنات” جديدة، وتغيّر واقع البلدة القديمة بالكامل. ولقد بات معلوما، أنه بالنسبة لاسرائيل، فان “الوطن البديل” هو الخيار المثالي للتخلص من الفلسطينيين ومن الدولة نفسها التي وافق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) مضطرا، واضعا شروطا تعجيزية لتحقيق قيامها، بل هو ما يزال يضع ويمارس هذه الشروط فعليا. وإن كان “الوطن البديل” كحلم ومخطط إسرائيلي غير محصور مئة بالمئة بالأردن فقط، إذ هو يقضي بتوطين اللاجئين أينما وجدوا أي يشمل كل دول العالم التي يستقر بها الفلسطيني ويلجأ إليها مضطرا لأي سبب من الأسباب المتنوعة والمعروفة، فإن السؤال المطروح هو كيف نحول دون تنفيذ هذا المخطط الخبيث وكيف نستطيع تجسيد الدولة الفلسطينية في الوطن الفلسطيني؟

ولأن التوجهات الاسرائيلية لا تنطلق من فراغ، بل من تفكير إحلالي/ توسعي يستهدف ضم اوسع مساحة من الارض والتخلص من اكبر عدد من الفلسطينيين، تظهر فورا صورة “الوطن العليل” المتمثل في الضفة الغربية وقطاع غزة. ففي الضفة حيث هناك “سلطة فلسطينية”، هناك دولة “المستوطنين”، القائمة على “رفض المفاوضات قبل إزالة (الخطر الإرهابي والعسكري ليس الفلسطيني فحسب، بل والعربي أيضا) على إسرائيل بالقوة العسكرية وليس بالمفاوضات”. ومثل هذا الطرح، يستلزم “إبقاء جميع “المستوطنات” في الضفة الغربية وضمها مع الأراضي التابعة لها (60% من مساحة الضفة)، إلى إسرائيل”. و”تقسيم السكان الفلسطينيين إلى قسمين: القاطنون في مساحة الـ40% المتبقية من الضفة، يمنحون حكما ذاتيا ويكونون تابعين من حيث السيادة للأردن.. والقاطنون في القدس وفي غور الأردن وبقية المناطق التي ستضم إلى إسرائيل، يصبحون مواطنين إسرائيليين!”. فعند الحديث عن “دولة المستوطنين” تتعلق المسألة بمشروع كبير صرف عليه (بحسب حركة “سلام الآن” الإسرائيلية) أكثر من 28 مليار دولار أمريكي، ويكلف إسرائيل سنويا 660 مليون دولار. كما أن هناك دولة “رام الله”، التي ما زالت، ومعها الضفة الغربية، محتلة يعيث فيها الاحتلال قتلا واعتقالا ضمن سياق لا يحمد عقباه ولا يعرف متى يتوقف. بالمقابل هناك دولة “غزة”، عنوان الحزن والحصار والدمار والقتل والتشريد، والاشتراطات الخارجية التي تعتمد سياسة “اللا” عندما يكون الحل “نعم” والعكس صحيح، حتى أضحت “دويلة” فلسطينية محاصرة ترفع شعارات تحرير كامل التراب الفلسطيني، وتجيد فن عقد التحالفات الاقليمية، وإبرام هدن قد تطول أو تقصر مع إسرائيل. وفي الحالتين، الضفاوية والغزاوية، ثمة مشاكل هيكلية في البنيان السياسي الخاص بكل منهما تفاقم صورة “الوطن العليل”!.

مشروع “الوطن البديل” يحقق إنجازا تاريخيا واستراتيجيا للمشروع الصهيوني في تصفية القضية الفلسطينية أساسا وعلى حساب الأردن والشعب الفلسطيني معاً، لتبقى فلسطين التاريخية تحت هيمنة الكيان الإسرائيلي، وليصبح الأردن وطناً بديلا للشعب الفلسطيني بعد ترحيله من أرضه، وبذلك فهو مشروع يستهدف تصفية القضية الفلسطينية أساسا، وهو ما يجعل مواجهته هما فلسطينيا وأردنيا مشتركا، وسببا لوحدة الشعبين وتلاحمهما في هذه المواجهة. فلا مشكلة امام اسرائيل للاحتفاظ  بالارض غير مشكلة السكان حتى الان، ولديها خطط كثيرة إما هي قيد البحث أو قيد التنفيذ. ومن هذه الخطط اقتراح تبادل الاراضي ذات الثقل السكاني مع السلطة الفلسطينية، ومنها يهودية الدولة العبرية، ومنها حث الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين لاستيعابهم وتحسين ظروف معيشتهم وتوطينهم، ومنها تشجيع اية دولة اينما وجدت على تجنيس الفلسطينيين و”اكرام وفادتهم” ليس حبا من إسرائيل بالفلسطينيين ولكن للتخلص من حقيقة وجودهم وطمس آثار الجريمة الأصلية.