كيفية الرد على الخطوات الأحادية الإسرائيلية؟

سياسة “الخطوات الأحادية” تستفز الجميع خاصة بعد أن أثبتت فشلها في كثير من أنحاء العالم. وحسنا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية (التي كانت تعتقد أنها قادرة، بمفردها، على تقرير مصير الأسرة البشرية دون أي عون من الأصدقاء والحلفاء الاقربين) حين عدلت قناعاتها – بعد المستنقعين الأفغاني والعراقي – وأدركت بأنها رغم قوتها لا تملك مثل هذه القدرة. ومع هذا التغير في الاوضاع الدولية، ومع إصرار الكيان الصهيوني على الخطوات الأحادية الجانب، صدرت تهديدات فلسطينية باللجوء إلى خطوات أحادية لمواجهة الخطوات الإسرائيلية، وخاصة بعد أن اقتنع كثيرون في العالم أن مساعيهم غير قادرة على إقناع الإسرائيليين بأن “التسوية”، حتى لا نقول “السلام”، ممكنة على أرض الواقع. فالقادة الفلسطينيون، ربما من منطلق أن العالم يتعامل معهم على أنهم فاقدون للخيارات والمبادرات (فيما ينظر لهم بعض شعبهم على أنهم يتخبطون في “مفاوضات” عبثية لا طائل منها) يرغبون في إثبات قدرتهم على التأثير هنا أو هناك بخطوات أحادية. ومعروف أن إسرائيل اعتمدت على الخطوات الاستباقية الأحادية لتحقيق سياسة الأمر الواقع على الأرض حتى تصبح أمورا مسلما بها لا مجال للتخلي عنها، بل إنها تصبح مطلبا “شعبيا” إسرائيليا لا يمكن التنازل عنه!!! بالمقابل، يحذر الجميع (بدء من الولايات المتحدة، مرورا بكل أعضاء اللجنة الرباعية الدولية، وليس انتهاء ببعض العرب والمسلمين) الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من الاقدام على أي خطوة أحادية تنسف وضع اللاحرب واللاسلم القائم في الشرق الأوسط، وتزيد من التوتر بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وهم بذلك يتمسكون بمقولة عبثية قديمة/ جديدة مفادها ان التصميم السياسي من جانب القيادات الفلسطينية والاسرائيلية هو وحده الذي يؤدي الى كسر الجمود واعادة عملية السلام الى مسارها!!

وفيما تستمر إسرائيل في خطواتها الاستفزازية الأحادية في عموم الضفة الغربية، فضلا عن الإجراءات الأحادية التي تقوم بها في القدس الشرقية بهدف تغيير معالم المدينة وهويتها وإفراغها من أهلها العرب المسلمين والمسيحيين، نجدها كذلك تحذر الفلسطينيين من أنها سوف تتخذ مزيدا من إجراءات أحادية الجانب في حالة لجوء الفلسطينيين الى الامم المتحدة لإعلان إقامة دولتهم، خاصة بعد اعتراف عدد متزايد من دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية ورفع دول أوروبية عديدة من مستوى التمثيل الفلسطيني على أراضيها، إضافة إلى إعلان استعداد الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 في الوقت المناسب.

وبما أن “اللجنة الرباعية” خيبت الظنون في اجتماعها الأخير في ميونخ، واستمرت في سياسة الكلام لا أكثر دون الانتقال إلى خطوات وربما عقوبات ضد السياسات والممارسات الإسرائيلية، بات مطلوبا من القيادة الفلسطينية الرد دوليا ولو بخطوات أحادية، خاصة بعد تزايد احتمالات تعطيل القرار العربي المطالب مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، أي الذهاب لدورة استثنائية للهيئة العامة للأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967 عاصمتها القدس، وفرض العقوبات على إسرائيل لإنهاء الاحتلال والوقف الكامل للاستعمار/ “الاستيطان”. أما داخليا، فالسلطة الفلسطينية، وبعيدا عن أطروحة “اعلان دولة الأمر الواقع الفلسطينية”، مدعوة إلى بناء مؤسسات قوية فاعلة قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين وتعزيز صمودهم إضافة الى اعادة الوحدة للوطن. فبناء الدولة الفلسطينية المستقلة عملية كفاحية متواصلة وليست مجرد اعلان او نتيجة لاتفاق سياسي يمكن الوصول له. وتاريخيا، بدأت عملية بناء الدولة منذ قرر الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال، وشكل بالتدريج هياكل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة تحرره الوطني، وبنى مؤسسات المجتمع المدني، وأنشأ مؤسسات السلطة الفلسطينية على أمل أن تكون نواة لبنى الدولة المستقلة. غير أن الانقسام المفجع وتعثر جهود المصالحة بات يلح على الفلسطينيين تجاوز مرحلة قلبت الاولويات وأضرت بالقضية. فالقواعد الشعبية في كل من الضفة والقطاع، بل والشتات، تبحث عن بصيص أمل للخروج من دهاليز الانقسام وتوجيه الجهود والطاقات في مشوار النضال الطويل لتحقيق المطالب والحقوق الفلسطينية العادلة. كما أن هذه القواعد تدرك أن تحقيق المصالحة رهن بالنوايا والمصالح المنعكسة على مدى الاهتمام الحقيقي (غير الاعلامي) بالمصالحة والرغبة في التضحية ببعض المصالح والارتباطات الاقليمية من اجل هذا الهدف الوطني السامي. وليكن واضحا أنه بدون اصطفاف فتح وحماس وكل فصائل الشعب الفلسطيني ومؤسساته المدنية في خندق واحد لمواجهة الخطر الواحد الكبير الذي يتهدد الشعب الواحد، فإن القضية الفلسطينية ستدخل في “حالة غيبوبة” لن تصحو منها لفترة طويلة! من هنا نضم صوتنا للكثيرين ونعزز المطالب الموجهة للقيادات الفلسطينية بضرورة الجمع بين النضال الوطني ومقاومة الاحتلال وبين البناء الديموقراطي للمجتمع والعلاقات الوطنية الفلسطينية، مع توضيح الأهداف الوطنية بعد أن انتشرت حولها ظنون واشاعات، وتحديد برنامج لحكومة الوحدة الوطنية التي باتت مطلبا لا غنى عنه لتحقيق الصمود والأمن والكرامة كي تحفظ للفلسطيني القدرة على مواجهة الواقع المعقد، إضافة إلى تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإعاة بناء مؤسساتها على أسس ديموقراطية بالانتخاب وفقا لاتفاق القاهرة في العام 2005.

إذن، في مقابل الخطوات الاستباقية والأحادية الإسرائيلية، وازدواجية العالم في التعامل مع القضية الفلسطينية، باتت الخطوات الأحادية الفلسطينية أمرا ضروريا بل سياسة مشروعة وطنيا. وفي هذا السياق، فإن من الأولويات الملحة: التوجه إلى الأمم المتحدة وطلب الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 عاصمتها القدس المحتلة، ودعوة المجتمع الدولي والأمم المتحدة الاعتراف بها، ومساعدتها للخلاص من الاحتلال و”الاستيطان”. وفي حال تعطيل مثل هذا القرار في مجلس الأمن بالفيتو، تتوجب، عندئذ، المبادرة إلى دعوة الهيئة العامة للأمم المتحدة لدورة استثنائية تعترف بدولة فلسطين، وفرض العقوبات على حكومة إسرائيل وصولا للوقف الكامل “للاستيطان” ولإنهاء الاحتلال. غير أن الذهاب إلى الأمم المتحدة لا يجب أن يعني التخلي عن البرنامج النضالي على الأرض من خلال تفعيل المقاومة الشعبية (السلمية في هذه المرحلة) مع إبقاء المجال أمام مختلف أنواع المقاومات لاحقا. فما لا يتحقق بالوسائل السلمية.. يتحقق بغيرها.