إسرائيل الراهنة: توغل في الفاشية؟

بعيدا عن التهوين والتهويل، واضحة مكامن القوة في الإستراتيجية الإسرائيلية التي تستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف الصهيونية، وتستند إلى مرتكزات تشكل القاعدة الأساس لتلك الاستراتيجية. ومن أبرز هذه المرتكزات: “نظرية “الأمن الإسرائيلي المطلق”، و”الحدود الآمنة”، ونظرية “القوة الكاملة الضاربة” التي تقوم على امتلاك قوة عسكرية عظمى، مع تأمين أقصى الدعم والمساعدة الخارجية. ذلك أن نظرية الأمن الإسرائيلية المطلقة والشاملة تشترط استمرار تدفق متطلبات القوة اللازمة بكل أشكالها ومكوناتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. في سياق ذلك، تعبر بعض المنظمات الحقوقية الإسرائيلية والغربية عن قلقها من العنصرية المتعاظمة لدى الاسرائيليين سواء ضد فلسطينيي 48 أو فلسطينيي 67، محذرة من أن مشاعر الخوف والحقد والعنصرية الاسرائيلية تتأصل مع تعاظم قوة أحزاب يمينية متطرفة. لماذا؟

يلحظ الناظر إلى إسرائيل اليوم خصالا تشبه الخصال التي بينها الدكتور (لورنس بريت) في بحثه الشهير عن الأنظمة الفاشية: هتلر في ألمانيا، وموسوليني في إيطاليا، وفرانكو في إسبانيا. فقد استخلص (بريت) أربعة عشر خصلة خاصة بهذه العهود تميزها عن غيرها من الأنظمة ومعظمها ينطبق موضوعيا على الكيان الإسرائيلي وبخاصة في سنواته الأخيرة. أما أولى هذه الخصال فهي “النزعة القومية المتطرفة التسلطية”. وفي إسرائيل، رغم غياب شعارات تشير إلى أيديولوجية الحزب القائد، إلا أن فيها نزوعا لسياسة يمينية شوفينية متطرفة لم تشذ عنها – فعليا – أي حكومة من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وهو نزوع متشابك مع النزعة الدينية الصهيونية المتزمتة وأثره شديد على السياسة الإسرائيلية.

أما ثاني هذه الخصال فهي الاستهتار بحقوق الإنسان غير اليهودي. فالأنظمة الفاشية تحتقر الإنسان ولا تعترف بحقوقه، بل وتعتبر مثل هذا الاعتراف انتقاصا من قدرها وهيبتها، وكذلك هي إسرائيل التي يكشف واقعها، يوميا، عن تراجع خطير في حقوق الإنسان العربي في الأراضي المحتلة 67، وتصاعد التمييز ضد فلسطينيي 48 بسبب الممارسات الرسمية الحكومية الممنهجة، حيث تحذر التقارير من نشوء سياسة فصل عنصري ضد الفلسطينيين في الحالة الأولى، ومن فاشية وعنصرية متصاعدة في الحالة الثانية. اما ثالث ورابع هذه الخصال، فيمكن دمجهما معا: مزاعم وجود أعداء عبر التمسك دائما بما يسمى “أمن إسرائيل”، وجعل القوات المسلحة الحل الأوحد للتعامل مع الفلسطينيين، الأمر الذي يعطي جيش “الدفاع” الإسرائيلي صلاحيات غير محدودة.

يؤشر خامس الخصال الفاشية، إسرائيليا، إلى أحد أهم ما تعيشه الدولة الصهيونية ألا وهو هاجس الأمن القومي. فالعقلية الإسرائيلية ستبقى رهينة عقلية القلعة المبنية على هاجس الأمن الذي بات واضحا أنه سيبقى حاضراً في كل سياساتها الداخلية والخارجية، والمستمد “شرعيته” من الأفكار والتعاليم التي جاءت بها ديانتهم اليهودية إلى حد جعل الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية إطارا فكريا وتطبيقيا للعقيدة الدينية، سواء على صعيد الدعوة للاستيلاء على الأرض “تنفيذاً لوعد الرب”، أو من خلال القناعات القومية الصهيونية. وهاجس الأمن مفهوم متحرك يواكب السياسة التوسعية الإسرائيلية، يتبدل مع تبدل الظروف السياسية والعسكرية المحيطة، ويقوم على نظرية الردع في إطار العقيدة الأمنية الإسرائيلية.

سادسا، من بين الخصال المهمة المشتركة فاشيا، تداخل أمور الدين والدولة حيث تستخدم الأنظمة الفاشية قراءتها الخاصة للدين بوصفه أداة فعالة لتوجيه الرأي العام وفق أهوائها، وهو بالضبط ما تقوم به إسرائيل. فالحاخامية اليهودية عودتنا – بكل الجرأة الوقحة – على إصدار فتاوى قتل المدنيين العرب استنادا، في قناعاتهم، لما تجيزه “التوراة” من قتل الأطفال والنساء في زمن الحرب، موفرين بذلك “المبرر الديني” لممارسات جنود الاحتلال. والكل يذكر الفتاوى التي أصدرتها “الحاخامية العسكرية” في الحرب الأخيرة على قطاع غزة: “اقتل العربي قبل أن يقتلك.. تعامل بوحشية مع غير اليهودي.. اقتل النساء والأطفال.. الموت لكل سكان غزة والضفة”. كما تصدر الحاخامية الفتاوى السياسية، ومنها ما يتعلق بالاستعمار/ “الاستيطان”، والتعامل مع الفلسطينيين، وحتى مفاوضات التسوية، ولن يكون آخرها ما صرح به (عوفاديا يوسف) الزعيم الروحي لحزب شاس، الشريك الكبير في الحكومة الائتلافية، مؤخرا، والتي قال فيها إنه يأمل أن “يزول رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس وبقية الفلسطينيين عن الوجود”.

سابعا، من “الخصال” المعروفة في الدول الفاشية، تحالف الشركات الكبيرة والنخبة الصناعية والتجارية مع نظام الحكم الفاشي. ومع أنها علاقة نفعية متبادلة قائمة على ثنائية السوق – الحكومة، فإن اللوبي الصناعي الإسرائيلي له – بأذرعه الداخلية والخارجية – تأثير كبير في الانتخابات، هذا أولا. وثانيا، لذلك التحالف الدور الأكبر في دعم الاستعمار/ “الاستيطان” الفاشي في الأرض الفلسطينية عبر المشاريع الضخمة التي ينفذها.

أخيرا وليس آخرا، يأتي موضوع تحقير المثقفين والفنانين وقوى المجتمع المدني حيث تعاديهم الأنظمة الفاشية علنا وتفرض عليهم رقابة صارمة. وإسرائيليا، لعل من أحدث الأمثلة على ذلك هو ما ظهر في التشريع الأخير للكنيست، والاحتجاج الذي بادر إليه مثقفون إسرائيليون إذ بعثوا برسالة استنكار إلى نواب الكنيست بشأن تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق مع المنظمات غير الحكومية التي تبحث سلوك الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، معتبرين تشكيل لجنة التحقيق تحركا فاشيا يذكر بأنظمة الظلام غير الديمقراطية. و”المبادرة” إلى تشكيل تلك اللجنة جاء من نواب حزب “إسرائيل بيتنا” القومي المتشدد والتي مفادها أن بعض المنظمات غير الحكومية (ومن بينها “بيتسليم” ومنظمات أخرى نشرت تقارير عن إنتهاكات لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) تساعد أعداء إسرائيل! كما نرى ذلك في كيفية التعامل مع النشطاء الإسرائيليين الذين يقفون مع الفلسطينيين في نضالهم الشعبي في التظاهرات الأسبوعية ضد “الاستيطان” وجدار الفصل العنصري.

ختاما، ما عسى المرء أن يتوقع سوى استمرار جنون اليمين الإسرائيلي المتطرف، متجسدا بالحكومة الراهنة، والمجتمع السياسي الحالي، اللذان يصران على عدم رؤية قباحة إسرائيل وسياستها التي تتوغل بعيدا في عقلية عدوانية عنصرية هدامة، في وقت تتدهور فيه علاقات إسرائيل بالعالم الخارجي نتاج مقارفاتها وبفضل ازدياد الوعي الدولي وتحول العالم إلى قرية بحيث بات بإمكان أي مواطن في أي بقعة في العالم أن يتابع كل الأحداث على وجه الكرة الأرضية.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى