نحو مؤتمر إنقاذ وطني

الوضع في “مسيرة التسوية” سيء فالحكومة الإسرائيلية بزعامة (بنيامين نتنياهو) لا يمكن اعتمادها شريكا في عملية “التسوية”، وهي تدير ظهرها لكل ما يطرح عليها من مبادرات وطلبات، وتقابل دعوات الجميع للسلام والتسوية بمزيد من الاستعمار/ “الاستيطان” والتهويد. ومع أن الآمال قد عقدت على إدارة الرئيس (باراك أوباما) منذ توليه المسؤولية في “البيت الابيض”، لم تحدث على أرض الواقع تغيرات كبيرة تجاه القضية الفلسطينية رغم استمرار الإدارة الأمريكية في طرح مواقف ومبادرات، بين الحين والآخر، تجاه قضايا التسوية لكننا نجد دوما إسرائيل رافضة للتجاوب. وفي ظل الاعتراف بأن خطاب إدارة الرئيس اوباما والنوايا المعلنة تشكل محطات إيجابية مقارنة بما طرحته غيرها من الإدارات الأمريكية السابقة، فان “حق الفيتو” الذي استخدمته مندوبة الولايات المتحدة مؤخرا في مجلس الأمن ضد القرار العربي الذي يدين “الاستيطان” أصاب الكثيرين بخيبة الأمل، وبخاصة وأن لادارة اوباما مواقف سياسية متميزة في رفض هذا النوع من الاستعمار. أما العالم العربي ومن ورائه الإسلامي فحدث ولا حرج. فهما عالمان غير قادرين على لعب أي دور أو تقديم المساعدة، وبخاصة في ظل الأحداث المتسارعة هنا وهناك من انتفاضات شعبية واحتجاجات. أما الطامة الكبرى فهي استمرار الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني الذي يتعمق باجراءات “انتقامية” من كلا الطرفين “الحاكمين” في الضفة والقطاع.

الفلسطينيون محاطون بكتلة من العداوات والأوضاع المزرية. وحتى لو كانوا موحدين ومنسجمين ومتفقين على برنامج وطني، بل حتى لو كانوا متناغمين، فإنهم – حقا – بحاجة إلى معجزات لتحقيق أهدافهم، فما بالنا بانقسام أدى إلى تغييب الوحدة الوطنية وأصبح الفلسطينيون في ظله مقعدين عاجزين لا يقدرون على الحركة المفيدة أو القيام بأي دور سياسي فعال وقوي لمواجهة الحقائق الاسرائيلية المفروضة والملموسة على الأرض من تهويد واستعمار؟ حقا، لقد “استحقت” هذه المرحلة لقب (أسوأ مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية في تاريخها)!!! ومع إصرارنا على ضرورة تجاوز الجميع “الكرامات الشخصية والجروح” من أجل الهدف الأسمى: الخلاص من الاحتلال، نؤكد أن عدم مداواة الجرح توسع وتعمق رقعة الالتهاب، وعدم رتق الفتق يوسع الخرق.

المصالحة الفلسطينية ممكنة لأن الإرادة والنية الحقيقية متوفرة لدى أغلبية الفتحاويين والحمساويين، ناهيك عن الفصائل الأخرى التي يطحنها الانقسام. بل إن الشعب الفلسطيني، وأنصاره من العرب وغير العرب، مدميون من خناجر ذلك الانشطار! وحقا، فإن القضايا المشتركة الجامعة راسخة وعلى رأسها إدراك الجميع أن المستفيد الأول من هذا الشرخ العميق هو الاحتلال الذي استغل الانقسام ومنحه مساحات أكبر للتحرك بحرية في عملية فرض الأمر الواقع حتى أضحى الحال منذرا بانهيار سياسي خطير لا تحمد عقباه، الأمر الذي جعل المراقبين والمهتمين يرون “خاتمة سوداء” في نهاية النفق. في هذا السياق، يبدو المشهد الفلسطيني عبثيا من فوضى في الأولويات وتباين في الأجندات. وعليه، مطلوب من القوى الوحدوية ادراك ضرورة اخراج “الحالة الفلسطينية الراهنة” فورا من النفق الانقسامي الذي يمثل صفحة مخزية في مجلد تاريخ الشعب الفلسطيني، والمبادرة إلى استعادة الوحدة الوطنية الشاملة والاتفاق على خطة وطنية متكاملة لمواجهة المخاطر والتحديات التي يواجهها شعبنا الفلسطيني، فبالوحدة فقط يمكن الرد على جرائم الاحتلال. صحيح أن هناك جهودا متنوعة لتحقيق المصالحة لكنها تحتاج الى مزيد من التجاوب الفصائلي الفلسطيني الذي يحقق تجاوزا لمرحلة قلبت الاولويات وأضرت بالقضية. فالقواعد الشعبية في كل من الضفة والقطاع، بل والشتات، التي تبحث عن بصيص أمل للخروج من دهاليز الانقسام وتوجيه الجهود والطاقات في مشوار النضال الطويل لتحقيق المطالب والحقوق الفلسطينية العادلة، قد باشرت بالتحرك بعد طويل تململ. فهذه القواعد تدرك أن تحقيق المصالحة بات يستوجب تجاوزا للنوايا والمصالح المتضاربة المنعكسة على مدى الاهتمام الحقيقي (غير الاعلامي) بالمصالحة مثلما تقتضي تجاوزا للارتباطات الاقليمية من اجل هذا الهدف الوطني السامي.

لذا، فإن بيت القصيد، وبمعزل عن المسؤول عن “بيضة ودجاجة” الانقسام، بات ملحا عقد مؤتمر إنقاذ وطني مليء بالمبادرات. ولأن موقفا مثل هذا يعتبر مصيريا للقضية الفلسطينية نتمنى على الرئيس محمود عباس، بقوة شرعيته الرسمية العربية والدولية، المبادرة إلى الدعوة لمثل هذا المؤتمر، خاصة وأنه لطالما أعلن عن إصراره على تحقيق المصالحة بل أكد استعداده للذهاب إلى آخر الدنيا من أجل تحقيقها، وغزة قريبة وكذلك دمشق “وإن لم يأت الجبل إلى موسى، يذهب موسى إليه”. ومع استمرار المساعي، سواء عبر قيادات في الحركتين، أو من شخصيات فلسطينية مستقلة، أو حتى دول عربية لانجاح المصالحة، يبقى السؤال الجوهري: أين دور الفصائل الفلسطينية التي – للأسف – التزمت، في الأغلب الأعم، التصريحات دون الأفعال؟! ومع الترحيب الكبير بالمبادرات الشعبية الأخيرة التي أعلنت الغضب على الانقسام، يبقى على الجميع، فصائل ومؤسسات مجتمعية مدنية، الإسهام في الدعوة إلى هذا المؤتمر من خلال تعزيز مبادراتها عبر تقريب وجهات النظر وبلورة الافكار وايجاد أساليب التنفيذ ووضع الخطط والبرامج. وإذ نكرر تثمين نداء شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية الذي أطلقته قبل نحو أسبوعين تحت عنوان: “لتتوقف حالة الاستنزاف الداخلي، ولنشرع في ترتيب البيت الداخلي لمواجهة الاحتلال ومخططاته” (وحمل النداء توقيع أكثر من ثمانين منظمة أهلية فلسطينية من الضفة وغزة وجاء في اطار تفعيل النضال الشعبي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية) نكرر مرة إضافية ضرورة تبني الدعوة إلى عقد مؤتمر إنقاذ وطني.

خلاصة القول: ما لم تصطف فتح وحماس وكل فصائل الشعب الفلسطيني ومؤسساته المدنية في خندق واحد لمواجهة الخطر الواحد الكبير الذي يتهدد الشعب الواحد، فإن هذه القوى (وقطعا ليس القضية الفلسطينية العصية على الموت) ستشيع إلى مثواها الأخير، وسيسجل التاريخ لهذه القوى دورها المتقاعس الذي يصل حدود “الخيانة بنية حسنة”!!! من هنا نؤكد مرة أخيرة على أهمية انعقاد مؤتمر إنقاذ وطني شارك فيه جميع القوى الفلسطينية لإنجاز الوحدة الوطنية، الشرط الضروري لاستكمال معركة التحرر الوطني وصولا إلى الحرية والاستقلال.