“دولة يهودية”.. أم غيتو إنعزالي جديد؟!!
بين الحين والآخر يظهر جدل شديد في المجتمع الإسرائيلي حول موجات العنصرية التي تجتاحه. فرغم انفتاح العالم وتواصله فكريا وثقافيا وحضاريا، ما زال أحد أخطر أشكال العنصرية قائما في اسرائيل, تمارسه حكوماتها المتعاقبة كسياسة رسمية، داخليا وخارجيا على السواء، تحت ذريعة الأمن. فإسرائيل كيان عنصري الطبع والطابع والتركيب والتكوين والنشأة والتوجه, وديمقراطيتها منغلقة على اليهود الغربيين دون العالمين, فيما تضطهد الشرقيين منهم من جهة, والعرب الفلسطينيين من جهة ثانية.
المجتمع الاسرائيلي يواصل استغلال الأحداث التاريخية في سياق ما يعتبره “حق الوجود” لتبرير مطالبه بـ “الدولة اليهودية الخالصة”. في هذا السياق، تتزايد فاشية المجتمع الإسرائيلي. فرغم قدراتها العسكرية وترسانتها النووية والدعم والمساعدات الدولية، ما زالت الدولة الصهيونية تعيش بعقلية ونفسية الأقلية, وعدم الثقة لا بنفسها ولا بالمحيط بها، ويظهر ذلك في سن عديد القوانين العنصرية، ربما يكون أكثرهما خطورة “قانون النكبة” و”قانون الولاء للدولة”، وهو ما يعبر عنه عضو الكنيست من” كديما” (شاي حرمش) في مقال حديث: “بالفعل هذه أيام صعبة للديمقراطية الاسرائيلية. تشريعات مفعمة بالكراهية تنبت دون انقطاع بين جدران الكنيست”. وفي هذا الإطار، يقول (يوفال ألبشن) بعد انقسام حزب “العمل” وخروج قيادات كبيرة منه، في مقال بعنوان “تخوف من توسع المعسكر الفاشي في إسرائيل”: “الوحيد الذي ضحك حقا ودوى ضحكه عاليا هو افيغدور ليبرمان. فقد حصل على خمسة جنود آخرين طائعين – من أكثر الانواع التي يحبها من اولئك الذين لا يسمعون ولا يرون ولا يتكلمون بل يصوتون بمجرد إشارة للمعسكر الفاشي الجديد الذي نجح في انشائه هنا. هذا خطر لانه لا يمكن الاستخفاف بالمنزلق الخطير الذي يسير فيه المجتمع الاسرائيلي في السنتين الاخيرتين. إن الثقافة القذرة التي ثارت وطفت مؤخرا في كل ركن والقومية العنيفة ساعدت في تبيان الامور ولم تعد الامور يُهمس بها في الغرف المغلقة بل يُصرخ بها في ميدان المدينة أمام عدسات التصوير وفي ضوء المصابيح وبكلمات صريحة وبأيدٍ مرفوعة الى الأمام تقول: الاجانب الى الخارج، والعرب الى الخارج، والنساء الى البيوت من الشارع، والجنود الذين يكسرون الصمت الى الخارج، وأناس حقوق الانسان في المدة الاخيرة ايضا الى الخارج”.
أما الكاتبة (أمونه ألون) فتقول في مقال حديث بعنوان “موجة العنصرية: حان الوقت لإيضاح ما نريد”: “على مدى سنوات عديدة كبتنا مسائل قاسية، تنشأ عن شذوذ (الشعب اليهودي) في أسرة الشعوب. من الصعب على الشعب أن يستوضح جوهر وجوده الشاذ والمختلف، في ظل حرب ضروس ولا تنقطع في سبيل مجرد هذا الوجود”. أما الكاتب الإسرائيلي (دانيال جفرون) فيقول في مقال بمجلة “نيوزويك” الأمريكية حمل عنوان “آخر الصهاينة”: “الإسرائيليون يعملون بكل الوسائل الممكنة على عرقلة وتأخير حلم الدولة اليهودية التي يحلمون بها، فهم مستمرون فى الاستيطان فى الضفة والقدس رغم إن الفلسطينيين والبلاد العربية والإسلامية التي تدعمهم عرضوا من خلال المبادرة العربية إقامة علاقات طبيعية مع الدولة اليهودية، بل إنهم مستعدون لقبول “حماقة الاستيطان” عن طريق تبادل الأراضى التى ستخلف أغلبية اليهود الإسرائيليين المستوطنيين بشكل غير شرعي في الضفة العربية خلال العقود الأربعة الماضية داخل دولة إسرائيل”.
وكما يقول رئيس كتلة “ميرتس” في الكنيست (ايلان جالون) فإن “ظاهرة العنصرية تتفشى بشكل خطير في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام وبين صفوف رجال الدين بشكل خاص”، مطالبا بالقضاء على هذه الظاهرة “المقلقة”. ويصف (آري شبيط) الوضع الراهن في إسرائيل في مقال بعنوان “لماذا تتحول اسرائيل الى دولة عنصرية” فيقول: “تهب ريح سيئة على (البلاد). سلسلة أحداث غير متصل بعضها ببعض في ظاهر الأمر بل لا يشبه بعضها بعضا أحدثت مزاجا عاما جديدا لكراهية الأجانب. لقد جعلت إسرائيل دولة تنبعث منها رائحة خبيثة. ماذا يحدث لنا؟ لماذا إنفجرت قوى ظلامية كانت تغلي تحت الأرض دائما إلى ميدان المدينة فجأة؟ لماذا رفعت العنصرية رأسها؟”. ويضيف (شبيط): “مع عدم وجود مركز سياسي قوي مستنير، أصبحت مسيرة الإنحلال الإجتماعي مسيرة إنهيار أخلاقي”. ويستخلص (شبيط) قائلا: “إن جرثومة الكراهية تجعل إسرائيل تبدو وتُسمع مثل دولة عنصرية ظلامية”.
لكن (يهوشع سوبول) يرى في مقال بعنوان “الانحشار في الغيتو: عنصرية محلية”: “لقد عاش اليهود مئات السنين كأقلية محتملة في اوساط اغلبية معادية، أحاطت اماكن اقامتهم وسكناهم بالاسوار، وجعلتها في واقع الحال غيتوات. لقد تبين الآن أنه من السهل اخراج اليهود من الغيتو ولكن من الصعب جدا اخراج الغيتو من نفس اليهود”. ويضيف: “كثيرون منا وعلى رأسهم رجال الدين غير قادرين على العيش كبني بشر احرار مع بني بشر أحرار آخرين. وهم قادرون على احتمال الوجود لانفسهم وللآخرين فقط عندما يخلقون غيتوات انعزالية لليهود لا يدخلها غريب”. ويختم (سوبول): “بعد 62 سنة من (الاستقلال) تجد اسرائيل نفسها أكثر فأكثر في حالة نوع من الغيتو الكبير المحاط بالاسوار المنقسم والمنشطر في داخله الى عدة غيتوات عرقية منفصل الواحد عن الآخر، بحيث اذا واصلت دولة اسرائيل التعفن باتجاه استمرار نزعة الغيتو، فكل شخص يكتم فيه التطلع نحو الحرية وحقوق الانسان الاساسية سيفر من هذا المكان كي ينجو بنفسه هو وأطفاله من الاختناق والتعفن الروحي والاخلاقي”. وفي السياق، ربما نختم بما قاله (ألبشن): “إن فقدان القيادة الفاشية الجديدة لخوفها من رد الجمهور الاسرائيلي ومؤسساته الحاكمة، والقانونية والجماهيرية يثير الخوف في حد ذاته. وإن حقيقة ان الفاشيين الاسرائيليين الجدد لا يعتقدون ان عندهم ما يخفونه أو من يخافونه تدل على مبلغ كبر الخطر وقربه منا. هذه هي طبيعة الفاشية فهي تندفع في المكان الذي لا تجد فيه حاجزا”.