إيران: هل ترث حكم منطقة الشرق الأوسط؟

مع سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار منظومة الدول الاشتراكية وظهور تحولات عالمية على رأسها تربع الولايات المتحدة كقطب وحيد سياسيا واقتصاديا وعسكريا، دخل العالم في حالة من الاضطرابات والصراعات المتزايدة، بعد أن جمد نظام القطبية الثنائية بعض هذه النزاعات وبالتالي أضفى نوعا من الاستقرار على المنظومة العالمية. وعندما حاول القطب الأوحد إعادة ترتيب الأوضاع حسب مصالحه الخاصة، سعت دول كثيرة لاثبات وجودها باعتبارها زعيمة في هذه المنطقة أو تلك، على رأسها الدول الأوروبية واليابان وحتى روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي. لكن هؤلاء جميعا سعوا لأن يكونوا شركاء (بدرجة أو بأخرى) وقطعا ليس معارضين تماما للقطب الواحد الأمريكي.

 

في الشرق الأوسط، دار الصراع حول من يضع أجندة المنطقة؟ هل هي إسرائيل أم الدول العربية؟! لكن طرفا ثالثا ظهر بقوة: إيران. وقبل الخوض في عديد الأسئلة حول إيران، نقول أن الموضوع في الشرق الأوسط أبعد من قضية فلسطين، بل هو في الأساس إعادة ترتيب الوضع الإقليمي. فإسرائيل تطمح إلى قيادة المنطقة، فيما الدول العربية تعيش “أحلام يقظة” ترى فيها حقوقها التاريخية رغم انهيار المشروع القومي. لكن إيران رأت أنها القادرة على القيادة وتحقيق “الاستقرار” في المنطقة. من هنا تكثر الأسئلة المنطقية التي يطرحها المحللون وأهمها: هل رغبة إيران ملء الفراغ القيادي في المنطقة “ارث فارسي” يجب أن يعود لأصحابه؟! وهل تستطيع بقدراتها واقتصادها المحاصر عالميا، خوض هذه المغامرة؟! وهل يصل الحلم الايراني إلى محاولة طرد الولايات المتحدة من المنطقة بحكم “قوة” طهران “كمرجعية دينية” وسياسية للشيعة في العالم بغض النظر عن انتماءاتهم القومية ولغاتهم؟! أم لا يخرج الموضوع عن كونه جمعا للأوراق ومسعى إيرانيا لفرض الذات في موقع الشريك الأول لأميركا في إدارة المنطقة؟!!

 

بعيدا، مؤقتا، عن تحذيرات محللين بشأن الأطماع الفارسية في المنطقة العربية، والدور الإيراني في تغذية “الفتنة الشيعية- السنية”، والوقوف ضد المصالح العربية، فان انطلاق النفوذ الايراني خارج الحدود يعود الى “الثورة الاسلامية” (مختلفا عن أحلام الامبراطورية الفارسية الشاهنشاهية) خاصة عندما شعرت ايران بالحاجة الى موطن قوة في الدول العربية بعدما أيدت أكثريتها حرب الرئيس العراقي ضد ايران. فمن العراق ولبنان، وأيضا من سوريا وفلسطين، وصولا إلى أفغانستان وباكستان، تظهر إيران باعتبارها لاعبا رئيسيا للتوافق و”الاستقرار” أو عدمه في هذه البلدان. ففي العراق، وما ان دخلت القوات الامريكية حتى قامت ايران، بكل امكاناتها، لكي تسيطر على بلاد الرافدين حتى أصبح دورها واضحا للعيان بشكل لا يمكن تجاهله، سواء أمنيا عبر دعم ميليشيات عسكرية بعينها، أو سياسيا في تشكيل الحكومة التي أحبطت إيران نفسها تشكيلها بعد الاتفاق على مرشح علماني (اياد علاوي). ويكفي التأكيد المتكرر لرئيس هيئة علماء المسلمين بالعراق، الشيخ حارث الضاري، من أن “إيران مازالت تؤدي دورا سلبيا في العراق في جميع المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية, وهذا الدور متصاعد. وتأثير إيران اليوم أصبح يضاهي، ان لم يفق، الدور الأميركي في العراق. فهي تمارس دورا خطيرا في العراق, بل انها تحتل جزء منه على الحدود العراقية – الايرانية”، ويبقى السؤال: هل تتجاهل واشنطن التدخل الإيراني، مما يعني اعترافا أمريكيا معينا بدور طهران في “استقرار” الخليج العربي عموما والعراق خصوصا؟

 

إضافة إلى علاقة إيران بكل من سوريا وحماس الأمر الذي يعطيها امتدادا مهما، أصبح لدى لبنان، منذ “الثورة الاسلامية الايرانية”، استعداد سياسي وثقافي لدى عديد الشيعة اللبنانيين لقبول سياسة تتلاءم مع المفاهيم الايرانية الجديدة، ترسخت (من خلال حزب الله) عبر ما يتوارد عن 300 مليون دولار ترسلها ايران للحزب سنويا، عدا عن المؤسسات التى تمولها بحيث جعلت الحزب في موقع أساسي في الاستراتيحية الايرانية أكدتها الزيارة الأخيرة للرئيس احمدي نجاد إلى لبنان والتي جعلت محللين كثيرين يشبهون الاستقبال الحافل والحشود الجماهيرية والبشرية التي اصطفت لاستقباله بالحشود التي خرجت في استقبال الرئيس الراحل عبد الناصر عند زيارته لدمشق عشية الوحدة المصرية/ السورية.

 

وفي أفغانستان، اعترف المبعوث الامريكي الخاص (ريتشارد هولبروك) بادراك الولايات المتحدة أن إيران لديها دور تلعبه في حل/ إدارة الصراع في ذلك البلد وفي باكستان وذلك في الوقت الذي شاركت فيه ايران في محادثات مع دول أخرى بشأن القضية للمرة الاولى حين انضم مندوبها الى مسؤولين كبار في “مجموعة الاتصال الدولية بشأن أفغانستان” في روما لمناقشة التقدم بشأن انتقال المسؤولية الامنية الى القوات الافغانية، رغم اتهامات امريكية مسبقة لإيران بتقديم المساعدات للمسلحين في أفغانستان.

 

وإلى باكستان، وصل المد الإيراني، فمنذ بدايات 2010، جرت اجتماعات في سفارة إيران في ذلك القطر مع ممثلين عن الشيعة هناك، خصوصا من المناطق التي فيها كثافة شيعية، الهدف منها إقامة مظلة جامعة لمنظمة شيعية باكستانية لدعم الحقوق السياسية للشيعة ووضع حد للتمييز الممارس ضدهم، وحسب مصدر غربي مطلع، فإن هذه الاجتماعات التي شارك فيها عن الجانب الإيراني ممثلون عن “الحرس الثوري” وعن جهاز الاستخبارات الإيرانية، عُقدت بناء على قرار اتخذه مجلس الأمن القومي الإيراني في تشرين الأول/ أكتوبر 2009. وقد اغتنم بعض القادة الشيعة هذه الاجتماعات للتعبير عن إعجابهم بإيران كدولة يجب تطبيق مبادئها في باكستان خصوصا فيما يتعلق بدور الدين ونقائه من التلوث الغربي، إضافة إلى معارضتهم القوية للوجود الغربي في باكستان.

 

مع هذا وذاك، يبقى السؤال المركزي المؤلم: أين هو الدور العربي؟! وبعيدا عن تصريحات مسؤولين عرب بأن “إيران تلعب بالأوراق العربية، وتسعى لتغيير الواقع الإيراني في علاقته مع العالم الخارجي من خلال عناصر متواجدة في الأراضي العربية”، نتساءل مع غيرنا “كيف تمكنت إيران من الحصول على هذه الأوراق”؟ من الواضح أن العرب هم أول من يتحمل مسؤولية التخلي عن أوراقهم. وفي هذا السياق، بدل أن يكون العرب هم اللاعبون الرئيسيون في المنطقة، استفادت إيران من “الفراغ” وأخذت على عاتقها اختطاف ذلك الدور ولعبه على حساب النظام الرسمي العربي!