(غباي) رئيس “حزب العمل” الجديد: هل يطيح بـ (نتنياهو)؟!!

أ.د. أسعد عبد الرحمن

مع انتخاب (آفي غباي) رئيسا جديدا لحزب العمل قبل أسبوعين، يجدر التذكير بأنه مع قيام “دولة إسرائيل” في العام 1948، تولى الحزب المذكور الحكم عقودا طويلة حتى جاء اليمين – لأول مرة – إلى السلطة في ذروة “انقلاب الليكود 1977”. ومعروف أن حزب “العمل”، المتهم باليسارية، هو الذي قاد حروب إسرائيل التوسعية، بدءا من العام 1948 مرورا بالعام 1956، والعامين 1967 و1973، وهو الذي وطّد الترسانة العسكرية والنووية الإسرائيلية.

اليوم، وفي ظل حكومة اليمين الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، ربما بات الكثيرون يؤمنون بأن رئيسها (بنيامين نتنياهو) ليس الشخص المناسب أو القادر على التعامل مع المتغيرات الإقليمية واستغلال الفرص المتتالية و”صنع” تسوية نهائية مع العرب بعد أن أصبح التعامل المباشر أو شبه المباشر مع إسرائيل لا يشكل حرجا في المنطقة. من هنا، جاء الاهتمام بفوز رجل الأعمال السابق ذو الأصول المغربية (غباي) برئاسة حزب “العمل” بعد تغلبه على منافسه (عمير بيرتس) بنسبة 52.4% مقابل 47.6%، فيما خرج من المنافسة في الدورة الاولى رئيس الحزب حتى الانتخابات (اسحق هرتسوغ) الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب محاولاته التفاوض من أجل انضمام حزبه للائتلاف اليميني برئاسة (نتنياهو). وكان (غباي) قدم استقالته في أيار/ مايو 2016 من حكومة (نتنياهو) بعد أن أسفرت المحادثات الائتلافية عن دخول حزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة وزير “الدفاع” الحالي (أفيغدور ليبرمان) إلى الحكومة، متهما الائتلاف الحاكم في حينه “بقيادة إسرائيل إلى الهلاك”.

(غباي) لحظة إعلان فوزه، أعلن انطلاق حملته الانتخابية لإطاحة (نتنياهو) وتعهد بالفوز في الانتخابات المقبلة. وقال (غباي): “إسرائيل متجهة إلى انتخابات لكن لا يُعرف الموعد بعد. الحزب بحاجة على الأقل إلى 100،000 عضو بحلول الانتخابات المقبلة وهو ضعف عدد الأعضاء الحالي في الحزب، بغية الفوز بـ30 مقعداً واستبدال حكومة نتنياهو”. وقال (غباي) في مقابلة أجراها معه موقع “واينت” الإلكتروني: “مواقفي هي مواقف حزب العمل- دولتين (لشعبين)”. وأضاف: “القدس ستبقى موحدة في أي سيناريو ولا يمكن أن تكون هناك مفاوضات حولها”. كما أشار إلى عكس موقف تحالف “الليكود” الحاكم مؤكدا على أن “رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هو بكل تأكيد شريك للسلام”.

المثير أنه بعد يوم واحد من فوز (غباي) برئاسة “العمل”، وهو الذي لم يمض على انتسابه للحزب سوى بضعة أشهر، أظهر استطلاعان للرأي العام أجرتهما قناتا التلفزيون الإسرائيلي الثانية والعاشرة أن “العمل” عزز قوته وأصبح متقدماً على حزب “يوجد مستقبل” برئاسة عضو الكنيست (يائير لبيد). ووفقاً لاستطلاع القناة الثانية، فإنه في حال إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة الآن، سيحصل “الليكود” على 25 مقعداً، و”العمل” على 20 مقعداً، و”يوجد مستقبل” على 18 مقعداً، و”البيت اليهودي” برئاسة وزير التربية والتعليم الأشد تطرفا (نفتالي بينت) على 13 مقعداً، و”إسرائيل بيتنا” على 6 مقاعد. أما استطلاع القناة العاشرة فأظهر أنه في حال إجراء الانتخابات الآن فسيحصل “الليكود” على 29 مقعداً، و”العمل” على 24 مقعداً، و”يوجد مستقبل” على 16 مقعداً، و”البيت اليهودي” على 14 مقعداً، و”إسرائيل بيتنا” على 7 مقاعد. ما سبق يشير إلى أن هناك اليوم حالة في الشارع الإسرائيلي أقل يمينية من الائتلاف الحاكم، وهو الأمر الذي يفسر نتائج الاستطلاعات.

فوز (غباي) يشكل حالة مثيرة للاهتمام للإسرائيليين باعتبار أن هناك خيارات أخرى غير (نتنياهو)، فالرئيس والشاب الجديد لحزب “العمل” فاز على قادة الحزب التاريخيين ما يعكس رغبة المجتمع الإسرائيلي في التغيير. في السياق، كتب محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس” (يوسي فيرتر) يقول: “إن الذي جعل فوز غباي ممكناً هو الحضيض الانتخابي والجماهيري والدعائي الذي تدهور إليه حزب العمل. لقد كان الحزب بحاجة إلى صدمة كهربائية، وهذا ما حصل”. وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس (جدعون راهط) عن فوز (غباي): “هناك تفسيران أولهما “اليأس” والآخر هو “السياسة الشخصية” التي تكون فيها الشخصية أهم من السياسية”. أما المحلل السياسي (افراهام ديسكين) فيقول: “غباي وجه جديد وبليغ للغاية ومصمم وذكي جدا وليس عضوا من قبل في حزب العمل، بل شخص يرمز الى الأمل”.

إن تصنيف الأحزاب الإسرائيلية الى “يسار” و”يمين” مضلل. فحزب “العمل” اليساري أيديولوجيا، يؤمن كغيره من الأحزاب اليمينية بـ “قيمة” الاستعمار/ “الاستيطان”، وعلى أن “القدس الموحدة” عاصمة لإسرائيل، وأنه لا عودة للاجئي 1948. بل إن هذا “اليسار” كان أول من زرع جدار الفصل العنصري في “قلب” الضفة الغربية. لكن، بما أن اليمين المتطرف بات ينفر المحيطين الإقليمي والعالمي نتيجة مقارفاته تجاه الشعب الفلسطيني، فمن الطبيعي أن ينعكس الأمر على الداخل الإسرائيلي، ما يعطي (غباي) فرصة للإطاحة (بنتنياهو) إن هو أحسن استثمار ذلك.