“الأبارتايد”: في سياق إسرائيل الظلامية

كثيرون، من غير الفلسطينيين والعرب، من مؤسسات وجمعيات وأفراد، قاموا وما زالوا يقومون بإجراء مقارنات ما بين السياسات الإسرائيلية ونظام الفصل العنصري (الأبارتايد) في جنوب إفريقيا. ولعل أول من سلط الضوء على السياسات الإسرائيلية كان ذاته (هندرك فيرورد) في عام 1961 رئيس وزراء جنوب إفريقيا والذي يعتبر مصمم السياسات العنصرية فيها، حين قال في مقابلة مع “الغارديان” البريطانية: “أخذ اليهود إسرائيل من العرب بعد أن عاش العرب هناك لألف سنة. إسرائيل، مثل جنوب إفريقيا، هي دولة عنصرية”. لاحقا، جاء (جيمي كارتر) الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، ومؤلف كتاب “فلسطين سلام وليس تفرقة عنصرية”، حين أعلن صراحة في عام 2006 بأن “هناك سياسة تفرقة عنصرية موجهة ضد الفلسطينيين. وفي بعض الحالات فإن هذه التفرقة أقسى من المعاملة التي كانت ضد السود في جنوب إفريقيا”.

في فلسطين التاريخية اليوم أربع مجموعات فلسطينية: الفلسطينيون في غزة، وفي القدس الشرقية، وفي الضفة الغربية، وفلسطينيو 48. وقد خصصت الدولة الصهيونية لكل مجموعة قوانين عنصرية صرفة للتعامل معها. وفي محاضرة لرئيس الحركة العربية للتغيير، عضو “الكنيست” الإسرائيلي (أحمد الطيبي)، ألقاها مؤخرا في “منتدى العصرية” في العاصمة الأردنية، قال: “إسرائيل دولة ديمقراطية انتقائية، وليست مطلقة، فهي ديمقراطية تجاه اليهود، ويهودية تجاه العرب، إزاء انتفاء المساواة بين المواطنين دونما تمييز، وتعريف الدولة اثنياً عرقياً ذاتياً، بما يجعل اليهودي، في منظورها، الأفضل على العربي”. وأضاف: “إسرائيل تدير ثلاثة أنظمة حكم؛ نظام ديمقراطي تجاه 80% من السكان اليهود، مقابل نظام تمييز عنصري ضد 20% من العرب، والاحتلال أي “الأبارتايد” في الأراضي المحتلة العام 1967، بحيث يعد تسويق نفسها بالديمقراطية تضليلا”. ومؤخرا، كشف التقرير السنوي الثاني لمركز “مدار” الفلسطيني للأبحاث الإسرائيلية أنه “منذ الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية قبل عامين، أدرج على جدول أعمال الكنيست 136 قانونا عنصريا وداعما للاحتلال والاستيطان، من بينها 25 قانونا تم اقرارها نهائيا، فيما 14 قانونا آخر في مراحل التشريع. وهذه ذروة غير مسبوقة في تاريخ البرلمان الإسرائيلي، تعكس استفحال العنصرية وسطوة اليمين الأشد تطرفا”. وفي تصنيف القوانين، يبين التقرير أن “24 مشروع قانون من أصل مشاريع القوانين الـ 136، تستهدف الفلسطينيين في كامل فلسطين التاريخية. و21 قانونا يستهدف فلسطينيي 48 وفلسطينيي القدس المحتلة. و28 قانونا تستهدف فلسطينيي 48 وحدهم. و37 قانونا لصالح الاستيطان”.

رغم كل ذلك، ما زال الموقف الرسمي الأممي الذي تمثله منظمة الأمم المتحدة، وعلى رأسها أمينها العام (أنطونيو غوتيريش) يرضخ للضغوط الأمريكية والصهيونية. و(غوتيريش)، وعلى عكس الدعاية الانتخابية التي سبقت انتخابه – والتي استبشرنا فيها خيرا – أظهر وخلال فترة قصيرة انحيازا واضحا لإسرائيل، بدأه بادعائه إن المسجد الأقصى كان “هيكلاً يهودياً”، ولحقه بسحب تقرير (الأبارتايد) عن إسرائيل، الذي قدمته “اللجنة الاقتصادية ـ الاجتماعية التابعة للأمم المتحدة في غرب آسيا”، والذي كان قد أكد أن إسرائيل أسست نظام (أبارتايد) يهيمن على الشعب الفلسطيني بأجمعه، وأن الوقائع والأدلة تثبت، بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل بسياساتها وممارساتها مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري كما تعرفها صكوك القانون الدولي”. وقد استندت نتائج التقرير (الذي وضعه خبيران قانونيان دوليان) إلى مضامين ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان ذاتها التي ترفض معاداة السامية وغيرها من إيديولوجيات التمييز العنصري. ويستنتج التقرير الأممي هذا أن “استراتيجية تفتيت الشعب الفلسطيني هي الأسلوب الرئيسي الذي تفرض إسرائيل به نظام (الأبارتايد). فتاريخ الحروب والتقسيم والضم الرسمي وبحكم الواقع والاحتلال المديد في فلسطين، لا تزال تؤدي، إلى تقسيم الشعب الفلسطيني على مناطق جغرافية مختلفة تدار بمجموعات مختلفة من القوانين. وتعمل هذه التجزئة على تثبيت نظام الهيمنة العنصرية الإسرائيلي، وإضعاف إرادة الشعب الفلسطيني وقدرته على مقاومة موحدة وفعالة، عبر استخدام أساليب مختلفة تبعاً لمكان عيش الفلسطينيين”.

النظام القائم في فلسطين اليوم يتجاوز في ممارساته العنصرية ممارسات نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ففي مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، شنت الكاتبة الإسرائيلية (مايراف زونسين) هجوما حادا على الحكومة الإسرائيلية بمناسبة احتفالاتها بذكرى تأسيسها واعتبرتها بمثابة “تأييد لسياسة إسرائيل العنصرية وعدم المساواة ومصادرة أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية ومناطق أخرى”. وقالت: “بالنسبة لي أنا التي عشت معظم حياتي في إسرائيل، أصبح علمها رمزا للشعور الوطني اليهودي المدمر وغير المتسامح”. وختمت: “جيلي هو الشاهد على موت الجهود الإسرائيلية لتحقيق السلام مع الفلسطينيين، واضمحلال اليسار كقوة سياسية، وتدهور المعايير الديمقراطية حتى داخل المجتمع اليهودي”. وفي مقال بعنوان “الدولة الظلامية”، يقول الكاتب اليساري (جدعون ليفي): “هكذا تبدو الدولة اليهودية التي يريد الكثير من الإسرائيليين الحفاظ عليها بأي ثمن. السنة هي سنة 2017، والواقع هو العصور الوسطى. تستطيع إسرائيل التلويح كما تشاء (بزعم أنها) الديمقراطية الوحيدة، لكنها (دولة) ظلامية، قسرية ويزداد الظلام فيها”.