“تدويل” القضية الفلسطينية: لم لا؟!!

لا قدرة ولا رغبة عربية أو إسلامية في خوض “حروب تحرير” من أجل فلسطين أقلها بسبب تداعيات ما سمي “الربيع العربي” وتحولها إلى حروب أهلية تأكل الأخضر واليابس. كذلك، لا قدرة ولا رغبة رسمية فلسطينية على مباشرة مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي أقلها بسبب دمغ “المقاوم” بالارهابي. وأيضا، لا قدرة وكذلك لا رغبة، لدى السلطة الفلسطينية وفصائلها في استغلال “هبة ترويع الإسرائيليين” الشبابية الفلسطينية والعمل على تحويلها إلى انتفاضة حقيقية يشارك فيها الشعب كسابقاتها.

في السياق، لا يبقى إلا التوجه نحو تدويل القضية الفلسطينية، بعد نجاحات حققها الكفاح الدبلوماسي السياسي وتوقيع فلسطين على عدد من الاتفاقيات والمواثيق مع المؤسسات الدولية في الأمم المتحدة. وهو كفاح يعتبره كثيرون “السلاح الأمضى” الممكن في ظل الصراعات المستعرة في المنطقة العربية، خاصة وأنه بدأ يعطي أكله. فبعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي (2334) ضد الاستعمار/ “الاستيطان” الإسرائيلي، والذي أثار غضب الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة، جاء “مؤتمر باريس للسلام” الذي صدر عنه “إعلان باريس” والذي يدعم حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم ضمن حدود عام 1967، حيث دعت أكثر من 70 دولة الفلسطينيين والاسرائيليين الى “اظهار الالتزام بحل الدولتين والامتناع عن أية أعمال أحادية تستبق نتيجة المفاوضات، خصوصا بشأن الحدود والقدس واللاجئين”، مؤكدة أنه في حال اتخاذ خطوات من هذا النوع “فانها لن تعترف بها”. وقد ركز الإعلان على التحذير بأن “حل الدولتين أصبح في خطر بسبب زيادة المستوطنات. وهو في خطر سياسي بسبب ضعف معسكر السلام وفي خطر أخلاقي بسبب انعدام الثقة الذي يتراكم بين الأطراف والذي يستغله المتطرفون”.

وقد تبع القرار الدولي المشار إليه آنفا بشأن “الاستيطان” في فلسطين إصدار مجلس الامن قرار بالاجماع يدعم الخطة الروسية – التركية من أجل وقف لاطلاق النار ومفاوضات في سوريا، ما يؤشر إلى أن العالم قد يشهد تغيرات جذرية في المرحلة المقبلة تجاه التعامل مع الأزمة السورية التي باتت تطوراتها معقدة المعالم. وكذلك الحال مع العراق، واليمن، وليبيا. فالتدويل يساعد على حفظ السلام على المستوى العالمي وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية أو للحفاظ على كيان من الهلاك من خلال مشاركة المجتمع الدولي في تحقيق مصالحة وطنية تحت مظلة مصالحات إقليمية أو عالمية. ويتوقع عدد متزايد من المراقبين اشتداد عملية “عض الأصابع” بدلالات تبنى مجلس النواب الأمريكي بياناً دان فيه قرار مجلس الأمن الدولي بسب قراره حول وقف “الاستيطان” الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورغم أن الوثيقة التي تبناها مجلس النواب الأمريكي غير ملزمة قانونيا، لكن عدداً من أعضاء الكونغرس الجمهوريين تقدموا بمبادرة لطرح مشروع قانون يمنع الإدارة الأمريكية من تحويل مبالغ مالية إلى الأمم المتحدة. وينص المشروع على عدة احتمالات عقابية للأمم المتحدة على رأسها حجب التمويل الأمريكي الذي يشكل 22% من ميزانيتها السنوية، والانسحاب من العضوية في عدد من وكالات الأمم المتحدة أو تمرير تشريعات لحماية “المستوطنين”، الذين يحملون الجنسية الأمريكية، وقد يتضررون من القرار الأممي.

معروف أن الدولة الصهيونية، لا تريد “التدويل” وتصر دائما على رفض تدخل الأمم المتحدة (ولا حتى الولايات المتحدة) في الصراع مع الفلسطينيين، وترى أن الأنسب لها، بطبيعة الحال، مفاوضات ثنائية غير مشروطة، ولا بأس إن كانت تحت إشراف غير فاعل للولايات المتحدة الأمريكية. فإسرائيل، ومنذ توقف المفاوضات الفلسطينية/ الإسرائيلية في نيسان/ إبريل 2014، جراء رفض حكومة اليمين المتطرف تجميد الاستعمار/ “الاستيطان”، وقبول حدود 1967 كأساس للمفاوضات، والإفراج عن معتقلين فلسطينيين قدامى في سجونها، ما تزال تواصل العمل على إصدار تراخيص لشركات “استيطانية” بهدف تزوير ملكيات الأراضي فيما تشير المعطيات الفلسطينية إلى أن 54 شركة تم ترخيصها ما بين عامي 2015-2016، فيما تم رصد أكثر من 20 محاولة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية عبر تزوير أوراق ملكيتها. وبحسب رئيس هيئة “مقاومة الجدار والاستيطان” فإن “عدد المستوطنين ارتفع خلال العام الماضي بالضفة الغربية بزيادة 27 ألف مستوطن، ليصبح عددهم الإجمالي 620 ألف، فيما بلغ عدد المواقع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية 570 مستوطنة، مقامة على أراضي المواطنين، حيث تم تشريعها بقرارات من حكومة الاحتلال”. وهذه الإجراءات أحادية الجانب إسرائيليا، تحتاج إلى إجراءات دولية.

“التدويل”، كما نراه، يوجع إسرائيل، فلم لا نستغل الفرصة ونقدم – على سبيل المثال وعلى جناح السرعة – طلبا لمحكمة العدل الدولية للحصول على رأي قانوني دولي حول مدى التزام إسرائيل بشروط عضويتها في الأمم المتحدة، أو مطالبة الأخيرة بفتح تحقيق دولي بشأن الجرائم والإعدامات الميدانية التي تقترفها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين!!! وغير ذلك، من المطالبات المنشودة، كثيرة! فهل نفعل؟