حكومة و(شعب) متطرف: القاتل الإسرائيلي (أزاريا) مثالا

حقق جيش الاحتلال، منذ اندلاع “هبة ترويع الإسرائيليين” الفلسطينية في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، في أكثر من 20 حالة إطلاق نار على فلسطينيين، إلا أنه لم يتم تقديم لائحة اتهام سوى حالة الجندي الإسرائيلي (أليؤور أزاريا). وبحسب المراسلة العسكرية لصحيفة “هآرتس” (جيلي كوهين) فإن جيش الاحتلال “استمع إلى شهادات من جنود، وجمع أشرطة مصورة وتوثيقات، وتوجه في حالات معينة إلى منظمات حقوق إنسان، وبضمنها “بتسيلم”، بيد أنه لم يتم اعتقال أي جندي، ولم يتم تقديم لائحة اتهام إلا في حالة أزاريا”. وإثر قرار إدانة هذا الأخير، الذي أعدم الجريح الفلسطيني عبد الفتاح الشريف دون أن يشكل الأخير أي تهديد، عم غضب كبير إسرائيل الرسمية والشعبية على حد سواء. فقد سارع أقطاب اليمين المتطرف وعلى رأسهم رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) ووزيرة الثقافة والرياضة (ميري ريجيف) “الليكود”، ووزير التعليم (نفتالي بينيت) “البيت اليهودي”، إلى المطالبة بالعفو التام عن الجندي القاتل حتى قبل صدور الحكم النهائي، فيما وعد الرئيس الإسرائيلي (رؤوفين ريفلين) بدراسة طلب العفو، وهو الأمر الذي كان أكده قبله وزير “الدفاع” (أفيجدور ليبرمان). في السياق، اندلعت مظاهرات لليمين المتطرف رددت فيها هتافات وصلت حد تهديد رئيس الأركان الجنرال (جادي إيزنكوت) بالقتل، فيما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي دعما للجندي القاتل، وحرضت منشورات على رفض الخدمة في الجيش، فيما أيدت أغلبية 70%  من المجتمع اليهودي العفو، بحسب استطلاع للرأي نظمه خبراء لصالح صحيفة “إسرائيل اليوم”.

أثناء محاكمة (أزاريا)، جرت حملة سياسية شعبية هستيرية جاءت متعارضة مع مواقف الجيش الإسرائيلي. فمن بين الردود، برز موقف وزير “الدفاع” السابق (موشيه يعلون) الذي أطيح به على خلفية ما يمكن اعتباره “الموقف الأخلاقي” الذي أظهره في القضية، والدعم الذي قدمه إلى قادة الجيش ضد أحزاب اليمين المتطرف، وعدم تراجعه أمام هؤلاء الذين حاولوا بحسب قوله تحويل “الجيش إلى جيش عصابات”. فقد هاجم (يعلون) بشدة (نتنياهو) وكل من طالب بالعفو وقال: “إنهم كذبوا على عائلة أزاريا وعلى الجمهور الإسرائيلي كله واستغلوا الحادث من أجل أغراضهم السياسية”. كذلك، ظهر موقف (إيزنكوت) الذي قال: “إن رجلا في الثامنة عشرة ويتجند للجيش هو جندي وليس ابننا جميعنا وعليه أن يضحي بحياته كي يحافظ علينا”.

بالمقابل، وفي افتتاحية بعنوان “سلطة القانون وليس الحشود”، استخلصت هيئة تحرير “هآرتس: “تشكل قضية أزاريا نقطة تطرف في الخطاب الإسرائيلي، سواء في أوساط الجمهور أم في أوساط سلطات الحكم في كل ما يتعلق بمكانة القضاء، ومسألة ما هو الأولى – حكم الحشود أم سلطة القانون”. وأضافت: “نحن أمام معركة متلاصقة في المنحدر الأخلاقي والقيمي الذي يتدهور فيه المجتمع الإسرائيلي… أزاريا ليس “ابننا جميعنا”، فهو جندي قاتل، ومنح العفو سيكون خطوة لا يقبلها العقل”. من جانبه، وصف (جدعون ليفي) الوضع بالقول: “ماذا كان سيحدث لو أن أزاريا كان فلسطينيا؟! هكذا تبدو الديمقراطية الإسرائيلية التي اعتقدت أنها تستطيع البقاء بدون إزعاج في ظل وجود قمع عسكري فظ في ساحتها الخلفية”. وأضاف: “لم يكن أزاريا أول القتلة ولن يكون الأخير. من الجيد أنه أدين. وإذا فرضت عليه عقوبة مناسبة فيمكن أن يمنع ذلك أعمال قتل أخرى. كاميرا (بيتسيلم) هي التي أجبرت الجيش على محاكمته. والأدلة أجبرت المحكمة على إدانته. ولن توجد محاكمات أخرى تشبه محاكمة أزاريا. السياسيون والجمهور الواسع لن يسمحوا بحدوث ذلك… في جوهر كل شيء توجد الكراهية للعرب. أما (يغيل ليفي) فقد كتب: “أزاريا لا يجلس وحده. فمعه من المفروض أن يجلس هنا ملايين المتهمين. لكنهم لا يتجرأون على تحمل المسؤولية، منذ سنين وهم يسلمون بدخول السلطات الدينية إلى الجيش الذين يصورون الفلسطيني على أنه “عمليق” دمه مهدور مع دعوات الانتقام. هل يمكننا أن نتوقع أن أزاريا الجندي العلماني لم يتأثر من ذلك أو يتردد في إطلاق النار؟”.

ختاما، في مقال حديث له، كتب (يوسي يهوشع): “الخاسر الأكبر هو المجتمع الإسرائيلي الذي تلقى ضربة لأحد ذخائره الكبرى: فكرة الجيش الإسرائيلي كجيش (الشعب). فالجيش الإسرائيلي، الذي بقي دوما خارج الخلافات التي مزقت المجتمع الإسرائيلي، وكان عنصر وحدة، أصبح صخرة خلاف وعلق في أزمة ثقة سيستغرق زمنا ترميمها”. أما المحلل العسكري (رون بن يشاي) فيوسع ويصحح “دائرة “الأضرار” قائلا: “الخطر الوحيد الآن على دولة إسرائيل كدولة قانون يكمن فيما إذا حاول أعضاء الكنيست بواسطة التشريع تغيير نتيجة الإجراءات القضائية. فإذا حدث ذلك، فإنه سيعرض للخطر حصانة كبار المسؤولين في دولة إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلي وقادته، وسيجعلهم عرضة لملاحقة محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب”. وهذا ما سيفعله أعضاء الكنيست، لكن أخذ المسؤولين الإسرائيليين لمحكمة العدل الدولية… هو واجبنا.