عن حركية فلسطينيي 48 داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي

مرارا وتكرارا، تؤكد لنا الحكومات الإسرائيلية استهدافها المتواصل لفلسطينيي 48، سواء عبر مشاريع تهدد من تبقى منهم في أرضهم، أو من خلال مواقف ترهيبية كما حدث مؤخرا في الهجوم الكبير على النواب العرب في البرلمان (الكنيست الإسرائيلي) الذين رفضوا المشاركة في جنازة رئيس الدولة الإسرائيلي السابق (شمعون بيريز). وقد بين التقرير المرحلي لرصد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال في “الكنيست”، الذي يصدره مركز “مدار” للأبحاث والدراسات الاسرائيلية، أن الدورة الصيفية للكنيست الإسرائيلي، التي اختتمت في 3 آب/ أغسطس الماضي، كانت “كافية للتدليل على الأجواء المتطرفة التي تسود الحكومة والكنيست، عبر تسجيل ذروة جديدة في التشريعات العنصرية والداعمة للاحتلال. فلقد ارتفع عدد القوانين المدرجة على جدول أعمال الكنيست من 66 قانونا حتى نهاية الدورة الشتوية الماضية، الى 82 قانونا مع انتهاء الدورة الصيفية، من بينها 17 قانونا تستهدف فلسطينيي 48 والقدس المحتلة معا، و11 قانونا تستهدف فلسطينيي 48 وحدهم”.

قبل أيام قليلة، قدمت “القائمة العربية المشتركة”، وللمرة الأولى، مشروع قانون بعنوان “الأقلية العربية القومية” ينص على الاعتراف بفلسطينيي 48 كأقلية قومية لها حقوق جماعية، والذي سرعان ما رفضته الكتل البرلمانية في الكنيست باستثناء كتلة حزب “ميرتس”، وهو الأمر الذي ترفضه الدولة الصهيونية وتعتبره تهديدا مباشرا “لمستقبلها” اليهودي. وقد عبرت عن الموقف الحكومي صراحة المدعوة بوزيرة “القضاء” (إيليت شاكيد)، حيث قالت: “إسرائيل تعطي حقوقاً مدنية للعرب ولن تسمح قطعاً بمنح حقوق قومية لهم، ومن يريد حقوقا قومية عليه أن يذهب للدول العربية”. بالمقابل، يحرض كتاب إسرائيليون في مقالاتهم فلسطينيي 48 ضد الأحزاب العربية، فهذا (اسحق ليئور) يقول: “لقد وُلدنا بعد انقلاب 1977 (فوز تكتل الليكود اليميني) وأنا أعرف جيدا أن أبناء جيلي يقبلون بكم كمصوتين شرعيين، بل ويتوقعون أن نعود بمساعدتكم الى الحكم من جديد من أجل القضاء على العنصرية. ليتكم تقومون بالتصويت بشكل مباشر لحزبي، وأن لا تذهبوا الى الاحزاب العربية. فهي تنشغل في ذر الملح على جراحكم”!!!

الدولة الصهيونية باتت تخاف فلسطينيي 48 نتيجة لتطورهم وتمسكهم بحقيقة تاريخ الصراع، وبكونهم قد نجحوا في تأسيس “القائمة العربية المشتركة” التي تحولت لقوة برلمانية ثالثة في “الكنيست”، بعد أن ظنت الدولة الصهيونية أن الخلافات الداخلية سرعان ما ستفكك “القائمة”. مؤخرا، وفي استطلاع فلسطيني – إسرائيلي مشترك بين “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والاستطلاعات” والبروفيسورة (تمار هيرمان) من “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، كشف النقاب عن أن فلسطينيي 48 باتوا يشكلون مجموعة وسط واضحة. ففي مقال بعنوان “عرب 48… هم الأكثر عقلانية وتوازنا”، تقول (يديديا شتيرن): “هويتهم المدنية ـ إسرائيلية؛ هويتهم القومية ـ فلسطينية. هناك (في مدن الداخل الفلسطيني) تعيش مجموعة كبيرة ذات آراء مختلفة على نحو واضح، سواء عن آراء اليهود ـ الإسرائيليين أم عن آراء الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. هذه الآراء جديرة بالانتباه: فهي تبث نورا بدلا من الظلام على نحو خاص. هم الأكثر تفاؤلا بالنسبة للمستقبل المشترك”. من جانبه، كتب (ألوف بن) في “هآرتس” يقول: “مقاطعة جنازة بيريز تشكل ومضة سياسية خلاقة حددت حقيقة مهمة على الأرض مفادها أن المواطنين العرب في إسرائيل قد تطوروا كما وكيفا”. ويضيف: “الإسرائيليون يخشون ازدياد قوة الفلسطينيين. نحن اليوم أمام أقلية فلسطينية قوية في إسرائيل وتستطيع أن تقول روايتها ورؤيتها وتوضح أنها ليست جزءا من الرواية الإسرائيلية المتمثلة بجنازة بيريز التي وضعتهم مقاطعتها بواجهة الأجندة الإعلامية وهذا مهم جدا”. ويقول (ديمتري شومسكي): “من الطبيعي أن يشعر الفلسطينيون مواطنو إسرائيل، الذين تمثلهم القائمة المشتركة، بأنهم أكثر أمانا من الفلسطينيين رعايا إسرائيل في أن يعطوا تعبيرا علنيا، صاخبا وحرا عن هويتهم الوطنية الفلسطينية. فالمواطنة الإسرائيلية تمنح الفلسطينيين الإسرائيليين قوة مدنية سياسية، يستغلونها على نحو مناسب، وعن حق، في دفع كفاحهم إلى الامام في سبيل حقوقهم القومية ـ المدنية في دولة قامت في أرض وطنهم خلافا لإرادة آبائهم وأجدادهم. وفي نفس الوقت فإن صوتهم هو هويتهم وموقفهم كفلسطينيين ذوي وعي وطني أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الخطاب المدني الإسرائيلي”.

تاريخيا، القانون في إسرائيل لا يعترف بالعرب كأقلية قومية ولا يعترف بحقوقهم الجماعية والقومية، ويتعامل معهم كمجموعات دينية فقط وعلى قاعدة “فرق… تسد”! وهذا يدل على هلع قديم/ جديد للمؤسسة الإسرائيلية اليمينية التي ترفض الاعتراف بتمسك فلسطينيي 48 بانتمائهم للأرض، وبأنهم لن ينتقلوا إلى خانة الصمت والعزلة والخوف، وبأنهم لن يكونوا أقلية معزولة، ملخصين أصل الصراع بقضية الأرض وثبات الوجود، بل إنهم قد أصبحوا – فعلا – رقما صعبا في معادلة الصراع القائم، بحيث باتوا يشكلون صداعا سياسيا وإعلاميا لإسرائيل في المحافل الدولية.