بعد انحسار غبار العاصفة الإعلامية: من هو بيرس؟

منذ أن بدأ حياته السياسية مبكرا في العشرينات من عمره، كان (شمعون بيرس) بفضل أستاذه (دافيد بن غوريون)، أحد أكثر القادة السياسيين الإسرائيليين، من غير العسكريين، تأثيرا في الدولة الصهيونية. وقد نجح (بيرس) مرتين في الوصول إلى رئاسة الحكومة دون أن ينتخب للمنصب: مرة تقاسمها مع (اسحق شامير) الليكودي عام 1984 في حكومة تكتل وطني، وأخرى حين ورث سياسيا (اسحق رابين) فور اغتياله 1995.

الثابت من وقائع تاريخ (بيرس)، وعلى رأسها دوره في إقامة مفاعل ديمونا الذي بات يسمى رسميا “مفاعل شمعون بيرس”، أنه:

  • شارك بحكومات ارتكبت مجازر ضد الفلسطينيين والعرب على حد سواء بدء من “قبية” و”كفر قاسم”. ولقد كان فاعلاً في مراحل التطهير العرقي ضد الفلسطينيين في سلسلة الحروب من يفاعته وحتى مماته، حيث انضم مبكراً لعصابة الهاغانا ثم أرسله (بن غوريون) عام 1947 لجلب الأسلحة من الولايات المتحدة تمهيدا لدوره في صنع “النكبة” الفلسطينية عام 1948. وتابع “صناعة المجازر” فكان دوره المباشر كرئيس للوزراء في تنفيذ “مجزرة قانا” في جنوب لبنان 1996، ومنذئذ استحق لقب “قاتل الأطفال”.
  • من مهندسي “العدوان الثلاثي” على مصر 1956. ففي الـ30 من عمره، كان شخصية مركزية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث أدار الاتصالات التي سمحت للجيش الإسرائيلي باحتلال سيناء في عملية “قادش” السريعة وبدعم من بريطانيا وفرنسا، قبل أن تنسحب إسرائيل بأمر من الرئيس الأمريكي (دوايت إيزنهاور) في 1957.
  • مشارك بارز في نظام الحكم العسكري الذي تم فرضه على فلسطينيي 1948 حتى العام 1966، والذي نفذت السلطات الإسرائيلية في ظله عمليات سرقة الأراضي والتشريد الجماعي. وكمدير عام لوزارة “الدفاع” في الخمسينيات، كان “تهويد” الخليل إحدى مسؤولياته. ووفق المؤرخ الإسرائيلي المعارض للصهيونية (الان بابي): “كان بيرس وراء خطة تهويد الجليل التي تبناها بن غوريون رئيس الوزراء قبل تركه للحكومة عام 1963 والتي نتجت عنها مصادرة الكثير من أراضي الفلسطينيين”. وبحسب المحلل السياسي (أمنون لورد): “في أيلول/ سبتمبر 1955 كتب (بيرس) يقول: “إن استيطاناً يهودياً كثيفاً في منطقتي الجليل والنقب سيشكل توازناً جدياً عند الخطر، ليس لأن حربنا ستتركز في المستوطنات (لو تعرضنا إلى هجوم، فسنبذل كل ما في استطاعتنا كي ننقل الحرب إلى أرض العدو) بل لأن استيطاناً يهودياً يقلل من رغبة العرب في الحرب”.
  • في 1974، وعندما كان (بيرس) وزيرا “للدفاع” في حكومة (رابين) سهل الحصول على تصاريح بناء المستوطنات/ “المستوطنات” في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل يعتبره كثير من الكتاب البارزين “مؤسس الاستيطان”. وحين تولى، في 2005، حقيبة “تطوير النقب والجليل” والبحث عن التمويل اللازم لهذه المهمة. وفي خطاب له أعلن: “إن تطوير النقب والجليل هو أهم مشروع صهيوني في السنوات القادمة”. وقد طبقت خطة التطوير أولا، عبر وضع خطط لتشجيع اليهود على الانتقال للعيش في الجليل والنقب من خلال بناء “مستوطنات” تتلقى دعما حكوميا كبيرا، وتحسين طرق المواصلات ومنح تخفيض على الضرائب. وثانياً، تصعيد وسائل القمع تجاه المواطنين العرب، وبخاصة من خلال منع إصدار رخص البناء وزيادة هدم المنازل.
  • لقد نجح (بيرس) في ترويج نفسه كداعم للسلام مع الفلسطينيين، وأحد مهندسي اتفاقات أوسلو، والتي أصبح بفضلها من حملة “جائزة نوبل للسلام”، وأصبحت صورته أمام العالم بأنه “رجل سلام”، لكن السؤال: هل ما أراده من هذا “السلام” هو ما يريده الفلسطينيون؟! هل سعى “كرجل سلام” إلى إقامة دولة فلسطينية كما يريدها الفلسطينيون؟! أم أنه صاحب مشروع “التقاسم الوظيفي” القائم حاليا على الأرض حيث سعى لتثبيته منذ 1994 من خلال مسار “أوسلو”، حين عرض مشروع “دولة فلسطينية كاملة السيادة في قطاع غزة” و”تقاسم وظيفي ثلاثي في الضفة الغربية”.

كتاب بارزون عديدون كانوا يرون في (بيرس) “رجل السلام المزيف”، و”الثعلب الماكر” الخطر إذ استخدم الدبلوماسية للتغطية على سياسات إسرائيل التوسعية عبر الاحتلال والاستعمار/ “الاستيطان”. وهو كما تراه الكاتبة الإسرائيلية (عميرة هاس): “لم يقتصر دوره على تشجيع وتطوير مشروع الاستيطان، بل لا يوجد أي شخص في اسرائيل يصل الى مستواه في القدرة على الكذب أمام العالم بأن اسرائيل تسعى الى تحقيق السلام”. أما الكاتبة الإسرائيلية (رفيت هيخت) فتقول: “بيرس لم يكن رجل سلام كلاسيكي. هو من بين المسؤولين عن الامر غير الاخلاقي: مشروع الاستيطان”. وعليه، فإن خلاصة الخلاصات هي كون (بيرس) بالمجمل، ثعلب إسرائيلي جوهر إرثه السياسي/ العسكري مساهمته في بناء كيان عنصري “استيطاني” توسعي عدواني على أنقاض وطن شعب فلسطين وحقوقه وأرضه.