الرئيس الأمريكي أوباما: هل يفعلها؟!!

يصل الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) إلى نهاية ولايته القانونية بشعور ثقيل من الإحباط حيال فشله في تحريك عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، إحدى المسائل التي حظيت باهتمام من جانبه طوال فترة حكمه. ويبدو، من تكاثر أدبيات سياسية متنوعة، أن إدارته ترغب بإنهاء ولايتها بعرض إنجاز ما أقله يتمثل في وضع قاعدة سياسية جديدة لتحريك عملية التسوية. وأيضا، هذا ما تؤكده التصريحات المتعددة الصادرة مؤخرا عن البيت الأبيض والتي تحمل “المسؤولية في الفشل” إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتيناهو).

فيما تبقى له من أيام كرئيس أمريكي، يجاهد (أوباما) – كما يقال لنا – لدفع عملية “التسوية” في مسعى يعد الأرضية لاتخاذ قرار جديد في مجلس الأمن بشأن ما يسميه البيت الأبيض “مسألة التسوية الفلسطينية الإسرائيلية”. ففي الأخبار، تتجه الإدارة الأمريكية نحو تهيئة وتوفير الأرضية والشرعية الدبلوماسيتين ـ “الأيديولوجيتين” لامتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يرسي قاعدة جديدة لتحريك عملية التسوية تكون أقل راحة بالنسبة لإسرائيل. والمداولات التي تُجرى لدى الإدارة الأمريكية تتمحور – فيما يتردد – حول مشروع قرار سيُعرض على مجلس الأمن بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 وكانون الثاني/ يناير 2017، في الفترة ما بين الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ومراسم تنصيب الرئيس الجديد، وهي الفترة المتحررة من ضغوط الانتخابات ومن الحاجة إلى أخذ أي اعتبارات انتخابية في الحسبان.

لقد ظهرت مؤشرات هذا الأمر منذ بداية العام الجاري. ففي الوقت الذي تتجه فيه الحكومة الإسرائيلية نحو تسريع أعمال البناء وتوسيعها في المستعمرات/ “المستوطنات”، أصدر الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية (جون كيربي) تعقيباً مفصلاً، واستثنائياً للغاية في “حدته”، جاء فيه: “إننا مطلعون على التقارير بشأن نية حكومة إسرائيل الدفع نحو إقامة مئات الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وإذا ما صحت هذه التقارير، فهي خطوة إضافية جديدة فيما يبدو أنه عملية منهجية متواصلة للاستيلاء على الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وشرعنة البؤر (العشوائية)، وهو ما يقوّض بصورة جذرية فرص تحقيق حل الدولتين”. أتبعته “الخارجية الأمريكية” ببيان أشد حدة، ضد أعمال “الاستيطان”، أعربت فيه عن معارضتها بشدة هذه الأعمال “المتعارضة مع هدف السلام” والتي تجسد “عملية منهجية لتنشيط وتوسيع أعمال الاستيطان التي تقوّض فرص تحقيق حل الدولتين”. لحقه تصريح (إليزابيث ترودو) التي حلت مكان (كيربي) في منصب الناطق بلسان الخارجية الأمريكية، حين وجهت نقداً صريحاً لنية حكومة إسرائيل هدم مبان فلسطينية في بلدة سوسيا، وأكدت أن “الإدارة الأمريكية تنظر بقلق بالغ إلى هذه الإجراءات التي ستسبب ضررا جسيما للفلسطينيين المقيمين في المنطقة”. وفي اليوم التالي، أصدرت الناطقة بيانا احتجاجيا آخر حيال الأنباء حول “نية حكومة إسرائيل إيجاد حل لمشكلة مستوطنة عمونه “غير القانونية” على أساس نقلها إلى مكان آخر من خلال مصادرة أراض فلسطينية خاصة”.

يعتقد عدد متزايد من المراقبين أن (أوباما) ومن خلال هكذا تصريحات/ مواقف غير معتادة بوجه إسرائيل من قبل إدارة أمريكية، خاصة في مسألة المستعمرات/ “المستوطنات”، يعلن في هذا الوقت تحرره من قيود الانتخابات وضغوطات الكونغرس في خضم المعركة العاصفة للرئاسة الأمريكية، كما أنه يتجاهل إمكانية استغلال المرشح الجمهوري (دونالد ترامب) هذه التصريحات للتدليل على سوء معاملة الديموقراطيين مع إسرائيل، أملاً من هذا الأخير في تحويل أصوات ناخبين أمريكيين لصالحه وخصوصاً اليهود منهم. مع العلم أنه في داخل إسرائيل هناك 200 ألف إسرائيلي/ أمريكي عادة ما يعطون أصواتهم إلى الحزب الجمهوري، لكن الآن (وفق تقرير مصور أعدته قبل فترة cnn) فإن غالبيتهم وبفارق 16% سيمنحون أصواتهم إلى المرشحة الديموقراطية (هيلاري كلينتون) رغم جهود حملة (ترامب). كذلك، من الثابت أن (أوباما) ما زال مقتنعا أن المرشح الديموقراطي عادة ما يحصل على دعم غالبية اليهود الأمريكيين وبخاصة بعد انقساماتهم المتعددة في السنوات القليلة الماضية.

البروفسور (زكي شالوم) الباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب كتب يقول: “يقع على عاتق حكومة إسرائيل واجب إدراك “جسامة اللحظة” والدلالات الخطرة وبعيدة المدى التي قد تترتب على اتخاذ قرار جديد في مجلس الأمن في ضوء نشوء واقع سياسي – استراتيجي جديد، من المؤكد أنه سيكون غير قابل للعكس أو الإصلاح وغير مريح لإسرائيل بتاتاً”. ويختم: “لذلك، وفي الظروف القائمة حاليا، يتعين على حكومة إسرائيل بذل جهد مركز ومكثف من أجل التوصل إلى تفاهمات مع إدارة أوباما بشأن مسألتي عملية السلام والمستوطنات”. وفي الوقت الذي يجب فيه ألا نفرط في التفاؤل بأن إدارة (أوباما) ستضغط على إسرائيل من أجل عملية تسوية في صالح الشعب الفلسطيني، لا تراعي تماما المصالح الأمنية لدولة إسرائيل دون تقديم المزيد والمزيد من التنازلات المجانية، نتساءل: هل يفعلها الرئيس (أوباما) أم أن الأمر برمته… أضغاث أحلام؟!!