فلسطين: المفاضلة بين ترامب وكلينتون!

ضمن ثوابت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، لا يختلف إثنان على أهمية حماية الدولة الصهيونية والحفاظ عليها، وهو حال ثابت لا علاقة له بمن يتسلم الرئاسة في البيت الأبيض. بالمقابل، لطالما أظهرت الدولة الصهيونية، في تعاملها مع كل انتخابات رئاسية أمريكية التوقعات والتخوفات من المرشحين الديموقراطي والجمهوري على حد سواء. ففي انتخابات الرئاسة الأمريكية في العام 2012، أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) تعاطفا علنيا مع المرشح الجمهوري حينها (ميت رومني) الذي نافس الرئيس (باراك أوباما). واليوم، يجد المزاج العام الإسرائيلي (في الأغلب الأعم) في المرشح الجمهوري الحالي (دونالد ترامب) ممثلاً حقيقياً له أكثر مما يجد في المرشحة الديموقراطية (هيلاري كلينتون). وعلى نحو متمم، رصدت أسبوعية “ذي أمريكان كونسيرفاتيف” المحافظة، بوصلة توجه يهود الولايات المتحدة منذ بداية حملة الانتخابات التمهيدية، فأوضحت أن “انخراط اليهود في مجمل العملية الانتخابية هو في تراجع .. بل ان الموقف من إسرائيل أضحى أقل أهمية لمعظم اليهود الأميركيين”، فيما أفادت “اللجنة الأمريكية لليهود” في نتائج استطلاعاتها لتوجهات اليهود أن “القلق من حالة الاقتصاد تقدّم بنسبة 5 أضعاف على إسرائيل، في المرتبة الأولى؛ مقابل 15% فقط أعربوا عن اعتقادهم بأولوية إسرائيل لديهم”.

رئيس بلدية نيويورك الأسبق الجمهوري (رودي جولياني) قالها صراحة في مقابلة له مع صحيفة “واشنطن بوست”، مؤكدا أنه في حواراته مع “أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية، يعلم أنهم يفضلون ترامب على كلينتون”. وفي السياق، وفي تقييم لافت ومعبر، يرى (نداف إيل) محرر الأخبار الخارجية في القناة التلفزيونية العاشرة “أن الإسرائيليين جاهزون لترامب لأنهم يرون أنه على شاكلتهم. الإسرائيليون يفهمون ترامب بأفضل ما يكون. وهم يفهمونه أكثر لنوع السياسة التي يدعو لها – جارفة، جزارة، واستفزازية – وهي سياستنا منذ عشرات السنين”. وأضاف: “من السهل للإسرائيليين فهم ترامب، فعندنا أيضاً لا يقاس السياسيون بالحقائق ولا يمسك بهم لكذبهم. فالأكاذيب ليست قصة كبيرة في سياستنا، خلافاً للسياسة الأمريكية قبل ترامب… عندما تنكث الوعود صراحة، نهز أكتافنا بيأس، فكل رؤساء الحكومات عندنا من اليمين واليسار، عرفوا كيف يفعلون عكس ما وعدوا به”.

وبالنسبة للموقف تجاه القضية الفلسطينية، وبعد موقف بدا “حياديا” في البداية المبكرة لحملته الانتخابية، عمل (ترامب) حثيثا على استرضاء إسرائيل من أجل ضمان إقناع يهود الولايات المتحدة بالتصويت لصالحه. وقد افتتح رسمياً حملته الدعائية لكسب أصوات الإسرائيليين من حملة الجنسية الأمريكية. كما أنه يأمل عن طريق كسب أصوات يهودية مؤثرة في إسرائيل من تعديل الميل المعهود لليهود الأمريكيين التصويت لصالح الحزب الديموقراطي. وفي موقف مغاير لجل الإدارات الأمريكية السابقة التي لطالما اعتبرت المستعمرات/ “المستوطنات” غير قانونية ورفضت مواصلة البناء فيها، حتى لغرض “التوسع الطبيعي”، أعلن (ترامب) عن دعمه لإسرائيل فى مواصلة بناء المستعمرات/ “المستوطنات”. فبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بعث (ترامب) رسالة إلى (نتنياهو) قال فيها: “أنا أعارض الدعوة إلى تجميد البناء بالمستوطنات كشرط مسبق لإتاحة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين”. وأضاف: “إسرائيل لم تحظ أبدا بمعاملة ملائمة من جانب دولتنا، هذا وضع محزن جدا.. كان سيسرنى رؤية محادثات من أجل السلام، أنا أقصد السلام المتواصل وليس سلاما لأسبوعين، يواصلون بعده إطلاق الصواريخ”.

من جهتها، لم تكن (كلينتون) أحسن حالا. فبحسب صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، وجهت رسالة إلى الملياردير اليهودي الأمريكي (حاييم صابان) قالت فيها ما لا يصدق: “إن إسرائيل لم تلقن حماس درسا كافيا في 2014. وفي حال توليت الرئاسة، سأمنح إسرائيل كل الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي اللازم من أجل القضاء على حماس، وفي حال كان الثمن 200 ألف قتيل في غزة، فليكن”. وتابعت: “صحيح أنني أم وجدة، لكن حقوق الأطفال لن تجعلني أتردد للحظة بالسماح لإسرائيل بقصف المدارس التي تطلق منها الصواريخ في غزة، لأن هؤلاء يستعملون الأطفال كدروع بشرية، ويستحق الإرهابيون أن يروا جثث أطفالهم تحترق بسبب القنابل والصواريخ”. وبعد عاصفة الانتقادات والغضب الشديد الذي لاقته حملة (كلينتون) من منظمات حقوق الإنسان والديمقراطيين في أعقاب كشف الرسالة، قال المسؤولون عن حملتها الانتخابية إنها قصدت – يا للعجب!!! – أن تكتب 20 ألفا وليس 200 ألف!!!

في مسيرة الانتخابات الأمريكية الراهنة، يلاحظ المراقب المدقق أنها كلمات قليلة قيلت (خاصة في البداية) بخصوص قضية الصراع الفلسطيني/ العربي – الإسرائيلي/ الصهيوني ثم غابت “القضية” عن رادار الانتخابات اللهم باستثناء حالات نادرة متباعدة تأتي جوابا عن سؤال مباشر من صحفي هنا أو هناك. وفي الوقت الذي تبدو فيه سياسة (كلينتون) متوجهة نحو نهج أكثر “تدخلا” في شؤون منطقة الشرق الأوسط، تبدو سياسة (ترامب) أميل إلى الانعزالية مؤكدا دوما رغبة في التركيز على الداخل الأمريكي ومصالحه. وفي المحصلة، يتصارع الطرفان على كسب ود إسرائيل من أجل الحصول على دعمها ودعم يهودها وصهيونييها.