“هبة ترويع اليهود”

يسيطر الخوف على كل يهودي ومستعمر/ “مستوطن” في أي بقعة من أراضي فلسطين التاريخية. فهو إما معرض للطعن بسكين أو أي آلة حادة أخرى، أو للدهس بسيارة أو بلدوزر، أو للإصابة – في أحيان متفرقة – بإطلاق النار. وبذلك، نجحت “الهبة الفلسطينية” بخلق حالة من الخوف والرعب. ورغم قلة عدد القتلى الإسرائيليين مقارنة مع الانتفاضتين الأولى والثانية، إلا أن كثيرا منهم بات “يموت خوفا”! هذا، علاوة على النتائج المتعددة الناجمة عن “هبة الترويع” الفلسطينية (والتي ستكون موضع بحث في المقال القادم).

في المقام الأول، تفاقمت حالة الخوف بسبب حقيقة كون عمليات الاستعمار/ “الاستيطان” قد أدخلت المستعمرين في أحشاء المناطق الفلسطينية، الأمر الذي أنهى أي حل إسرائيلي عبر إقامة جدار فاصل مثلا في الأحياء العربية في القدس الشرقية، ناهيك عن القدس القديمة. ولأن جرثومة الاستعمار تستشري بعد أن لم تتوقف للحظة واحدة، بتنا نجد في البلدة القديمة بنايات شبه متلاصقة يسكنها فلسطينيون و”مستوطنون”. فبحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن “هيئة مقاومة الجدار والاستيطان”، استولى “المستوطنون” على (93) من البيوت استيلاءً كلياً أو جزئيا في مدينة القدس. كذلك، فإن جدار الفصل العنصري والخراسانات الاسمنتية التي زرعها الجيش الإسرائيلي على مداخل الأحياء العربية في القدس الشرقية ستشطر المدينة وتجعلها غير موحدة وهذا ما لا ترغب به الدولة الصهيونية.

أما العامل الأساسي الثاني في صنع حالة ترويع الإسرائيليين، فجوهره يكمن في تداخل الحياة في المجتمع الاحتلالي برمته، وبالذات مع وجود “عمالة فلسطينية” مهمة (تبلغ حوالي 200 ألف عامل) تعمل في مهن مختلفة في أحشاء المجتمع الإسرائيلي. وهذا الواقع جعل الخوف متبادلا، فكما يخاف “المستوطن” من الفلسطيني، يخاف الفلسطيني من الإسرائيلي مما يعزز الشعور بالشك وخشية المجهول. وقد ترسخ الرعب الذي لم يعتد عليه المجتمع الإسرائيلي (على عكس الحال عند الفلسطينيين) بحيث أجبر جيش الاحتلال على فرض حصار على أحياء عربية بأكملها في القدس، فيما شجعت سلطات الاحتلال الإسرائيليين على اقتناء السلاح الفردي، وبدأت المؤسسات الحكومية والخاصة والمجمعات التجارية والمدارس وغيرها باستحداث حراسات خاصة. بل إن القناة الإسرائيلية الأولى أكدت أن الأحياء اليهودية في القدس المحتلة (كما في تل أبيب أيضا) تبدو كما لو كانت مدن أشباح: “الخوف يستبد بالاسرائيليين بشكل غير مسبوق. الكثير منهم في بعض الأحياء اتفقوا على المشي في جماعات خشية تعرضهم لهجوم ينفذه شاب فلسطيني يحمل سكينا، فيما هجر العديد منهم أماكن سكناهم ولجؤوا إلى المدن الساحلية”. ولقد وصل الخوف حد إقدام صحيفة “مشباحا” التابعة “للحريديم” على نشر نص باللغة العربية حمل عنوان “توقفوا عن قتلنا نحن لا نحج إلى (جبل الهيكل)”، جاء فيه: “لن تشاهدوا أبدا حريديم يصعدون إلى (الجبل)”، وهو ما يعد أسلوباً استثنائياً يدل على المستوى الذي بلغه الخوف الإسرائيلي. بل إنه وفي أحدث استطلاعات الرأي الإسرائيلية أجرته قناة الكنيست، اتضح أن 50% من الإسرائيليين المشاركين في التصويت يؤيدون نقل مسؤولية الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى السلطة الفلسطينية.

أما ثالث أبرز العوامل التي جعلت الخوف الإسرائيلي يصل إلى درجة الذعر، كون الشبان الفلسطينيين الذين يقدمون على عمليات الطعن أو الدهس غير معروفين، بل ربما كانوا ممن يعتبرهم الإسرائيليون “من الموثوق بهم”، وهو الأمر الذي يزيد من عنصر المفاجأة. ذلك أن أحدا منهم ليس لديه، ولنسمها، “سوابق فدائية” أو “سوابق جهادية”. فهؤلاء، بالتعابير السياسية والإعلامية الإسرائيلية، “ذئاب متوحدة” لا يضمها إطار تنظيمي مما يجعل مهمة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية جد معقدة وربما مستحيلة. وبحسب صحيفة “معاريف” فإن “نسبة المتوجهين إلى مراكز الدعم النفسي في إسرائيل ارتفع بنسبة 100%، ذلك أن غالبيتهم تتحسس من هواجس عمليات الطعن والعداء والكراهية. بل لقد بلغت نسبة تغيب الإسرائيليين عن أعمالهم الحد الأعلى منذ 30 عاما. كما قدرت شرطة الاحتلال، يوميا، استقبال 30 ألف اتصال من إسرائيليين للتبليغ عن عمليات واشتباهات”، وهو ما يفسر مقتل يهود بنيران “صديقة” (أي على أيدي اليهود أنفسهم) كما حدث في بئر السبع وهروب الجنود بدل أن يدافعوا عمن حولهم.

في سياق ختامي، يجدر تذكير الذين ينتقدون ويعتبرون أن الشباب الفلسطيني من حملة السكانين والداهسين يضيعون مستقبلهم لمجرد جرح أو إخافة “مستوطن” أو جندي صهيوني هنا أو هناك، أن “هبة الترويع” هذه حققت – رغم الثمن الغالي – إنجازات عديدة حتى الآن، وأن شبابا وصبايا من أبناء الشعب الفلسطيني قرروا المبادرة بعد أن تمت تجربة كل الطرق: الكفاح المسلح الذي تبين أنه مكلف جدا، والمفاوضات بعد الوعود الدولية قبل الإسرائيلية فتحولت إلى مجرد مفاوضات لشراء الوقت لمزيد من “الاستيطان” والتهويد. واليوم، يجرب الشبان الفلسطينيون طريقا ثالثة تقع في نقطة ما بين الإنتفاضتين: الأولى والثانية… فهل نمجده أم نلومه؟!!

التعليق ( 1 )
  1. د. محمد أبو لغد
    29 أبريل، 2016 at 1:37 م

    كل الشكر للدكتور أسعد عبد الرحمن لنشره هذا المقال المليء بالحقائق فنحن بحاجة لشيء من التفاؤل المبني على الحقائق لا بعيداً عن العواطف.
    شكراً